للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالْخُسُوفِ.

والاسْتِسْقَاءُ دُعَاءٌ واسْتِغْفَارٌ مُسْتَقْبِلًا. وإنْ صَلُّوا فُرَادَى جَازَ

===

عظيم (كَالْخُسُوفِ) وهو نقصان ضوء القمر فإنهم يُصلُّون عند حصوله فُرَادى وهو قول مالك.

وقال الشَّافِعِيّ: يصلُّون فيه بجماعة. لنا: أن صلاته تكون في وقت يحصل بالتجميع فيه مشقّة، ولأنه لم يُنْقَلْ أنه عليه الصلاة والسلام جمع له. وكذا يصلُّون فُرَادى عند حصول الضوء القوي بالليل، وعند انتشار الكواكب، وعند حصول الظُّلْمَة القوية بالنهار، وعند حصول الريح الشديدة، والزلازل، والصواعق، والثلج والمطر الدائمين، وعموم الأمراض، والخوف من العدو.

(والاسْتِسْقَاءُ دُعَاءٌ واسْتِغْفَارٌ مُسْتَقْبِلاً. وإنْ صَلَّوا فُرَادَى جَازَ). وهذا عند أبي حنيفة لقوله تعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِل السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارَاً} (١) ولِمَا في «الصحيحين» من حديث أنس: «أن رجلاً دخل المسجد في يوم الجُمُعَةِ ورسول الله قائمٌ يَخْطُب فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هلكت الأموال وانقطعت السُّبُل، فادْعُ الله يُغِيثُنَا. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: اللهم أغِثْنَا، اللهمَّ أَغِثْنَا». وثبَتَ أيضاً أنَّ عمر اسْتَسْقَى ولم يُصَلِّ. وقال مالك: يُسَنُّ للاستسقاء ركعتانِ بِخُطْبَةٍ كالجمعة. وقال الشافعي: كالعيدين. وقال محمد: يجوز أن يصلي الإمامُ أو نائبُه ركعتين كما في الجمعة، ويَقْلِبُ رداءه دون القوم. وهو اختيار الطحاوي، وأبو يوسف مع محمد في رواية، ومع أبي حنيفة في أخرى.

لهم ما في الكتب الستة عن عَبْدُ الله بن زَيْدِ بن عَاصِم: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يَسْتَسْقِي بهم، فَصَلَّى بهم ركعتين، وحَوَّل رداءه ورفع يديه فدعا، واستسقى، واستقبل القبلة». متفق عليه. زاد البخاريّ، وأبو داود: «وجهر فيهما بالقراءة»، ولقول ابن عباس: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مُتَبَذِّلاً (٢) متواضعاً متضرّعاً حتى أتى المُصَلَّى، فلم يَخْطُب خطبتكم هذه. ولكن لم يزل في الدعاء والتَّضَرُّع والتكبير، وصلّى ركعتين كما يُصَلِّي في العيدين». رواه أصحاب «السنن» وصحّحه الترمذي.

قال بعض علمائنا: يخرج له الشيوخ والصبيان والضَّعَفَة ثلاثة أيام ـ ولم يُنْقَلُ أكثر منها ـ متواضعين متخاشعين في ثياب خَلَقَةٍ (٣) غَسِيلَةٍ (٤) ، مشاةً يقدِّمون الصدقة


(١) سورة نوح، الآية: (١٠، ١١).
(٢) تَبَذَّل الرجل: ترك التَّزَيُّن والتَّجَمُّل ولبس الخَلَق من الثياب. المعجم الوسيط، ص ٤٥، مادة (بذل).
(٣) خَلَقَة: أي بالية. مختار الصحاح، مادة (خلق). ص: ٧٨.
(٤) غَسِيلة: أي مغسولة. المعجم الوسيط، ص: ٦٥٣، مادة (غسل) أي ليست موجودة.

<<  <  ج: ص:  >  >>