للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

ودليلُ جملةِ ما ذكرنا قولُه تعالى: {يا أيها الذين آمَنوا إذا قمتُم إلى الصلاةِ فاغْسِلُوا وجوهَكم وأيديَكم إلى المرافقِ وامْسَحُوا برءُوسِكم وأرجلَكمِ إلى الكعبين} (١) . ومعنى قمتم إلى الصلاة: أردتم القيام إليها، فأُقِيمَ السبب مقامَ سببِهِ الخاصّ للملابسة بينهما في تمام النظام ولإِيجاز الكلام. وظاهرُ الآية وجوبُ الوضوء على كلّ قائم إلى الصلاة وإن لم يكن مُحدِثاً، وهو خلافُ الإِجماع، ولأنه عليه الصلاة والسلام «صلَّى بوضوءٍ واحدٍ خمسَ صلواتٍ عام الفتح، فقال عُمَرُ رضي الله عنه: صَنَعَت ما لم تكن تصنعه؟ فقال: عَمْداً صَنَعتُه يا عُمَر» (٢) . فلا بُدَّ من تأويلٍ في الآيةِ، فقيل: مطلَقٌ أُرِيدَ به التقييد، والمعنى وأنتم مُحدِثون. وقيل: الأمرُ فيها للندب، ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يُجدّدُ الوضوءَ لكلّ صلاة في غالب الأيام.

ومعنى «إلى» عند المحققين الغايةُ مطلقاً، وأمَّا دخولُ ما بعدها في حكم ما قبلها أو خروجُهُ عنه، فأمرٌ يدورُ مع الدليل. فممَّا قام الدليلُ فيه على خروجِ ما بعدها قولُه تعالى: {فنَظِرةٌ إلى مَيسرة} (٣) ، إذ لو دَخَل لكان الإِنظار واجباً حالةَ اليسر أيضاً، وهو ممنوع اتفاقاً. وقولُه تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصيامَ إلى اللَّيل} (٤) ، إذ لو دخل لوجَبَ الوصال، وهو من المُحال. ومَّما قام الدليلُ فيه على دخولِ ما بعدها قولُه تعالى: {سبحانَ الذي أسْرَى بعبدِه ليلاً من المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصى} (٥) ، للعِلم بأنه لا يُسرِي به إلى البيتِ المُقدَّسِ من غير أن يُدْخلِه. وقد وَرَد أحاديثُ ممَّا يدلُّ على دخوله.

وأمَّا قولُه تعالى: {إلى المرافقِ} وقولُه: {إلى الكعبين} (٦) فأخَذَ زُفَر وداودُ فيهما بالمتيقَّنِ فلم يُدخلاها في الغَسل، وأَخَذ الجمهورُ بالاحتياط وأدخلوها فيه لكونه عليه الصلاة والسلام أدارَ الماءَ على مَرافِقه.

ومعنى الباءِ في {برءوسِكم} للإِلصاق، وماسِحُ بعضِ رأسه ومستوعِبُه كلاهما مُلصقٌ المسحَ برأسه. فأخَذَ الشافعي بالمتيقَّن، وأخَذَ مالكٌ بالاحتياط، وأخَذَ أبو حنيفة


(١) سورة المائدة، آية: (٦).
(٢) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ١/ ٢٣٢، كتاب الطهارة (٢)، باب جواز الصلوات كلها بوضوء واحد (٢٥)، رقم (٨٦ - ٢٧٧).
(٣) سورة البقرة، آية: (٢٨٠).
(٤) سورة البقرة، آية: (١٧٨).
(٥) سررة الإسراء، آية: (١).
(٦) سورة المائدة، آية: (٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>