للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

رحمه الله تعالى ببيَانِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما روى مسلم والطبراني عن عُروة بن المُغيرة بن شعبة عن أبيه المغيرة: «أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم توضَّأ ومسَحَ بناصيته وعلى الخُفَّين». وروى أبو داود والحاكم وسَكَتا عنه، من حديث أبي مَعْقِل، عن أنس بن مالك (١) قال: «رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضَّأ وعليه عمامةُ قِطْريَّة ـ وهي بكسر القاف نوعٌ من البُرود ـ فأدْخل يدَه مِنْ تحتِ العِمامة فمَسَحَ مقدَّمَ رأسه ولم يَنْقُض العِمامة». وروى البَيهِقيُّ عن عطاءٍ: «أنه عليه الصلاة والسلام توضَّأ في (٢) العِمامة ومسَحَ مقدَّمَ رأسهِ ـ أو قال ـ ناصيتِهِ». وهو وإن كان مُرسَلاً إلا أنه حُجَّة عندنا وعند الجمهور، كيف وقد اعتَضَد بالمتَّصل.

أما قولُ صاحب «الهداية»: «والمفروضُ في مسحِ الرأس مقدارُ الناصية، وهو رُبعُ الرأس، لما روى المُغيرةُ بن شُعبة: «أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أَتَى سُباطَةَ (٣) قومٍ فبال، وتوضَّأ ومسَحَ على ناصِيَتِهِ وخُفَّيه» فمركَّبٌ من حديث المغيرة وحديث حذيفة، أَما حديث المغيرة فرواه مسلم عنه: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم توضَّأ فمسَحَ بناصيته وعلى العِمامة وعلى خُفَّيه». وأمَّا حديث حذيفة فرواه الشيخان عنه قال: «أَتَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم سُبَاطَةَ قومٍ فبال قائماً، ثم دعا بماءٍ فجئتُه بماء فتوضَّأ»، وفي روايةٍ لمسلم: «فتوضَّأ، فمسَحَ على خُفَّيه». وقد رواه ابنُ ماجه عن المغيرة (٤) بأَسنادٍ مختلفة مختلَفٍ فيه (٥) كما ساقه صاحبُ «الهداية». ومعلومٌ أنَّ الناصيةَ ومقدَّمَ الرأس أحَدُ جوانبه الأربعة، إذ ظاهرهُ استيعابُ تمام المقدَّم، وتمامُه هو الرُّبع المسمَّى بالناصية، فلو كان مسحُ ربع الرأس ليس بمُجزاءٍ لم يَقتَصر في ذلك الوقت عليه، ولو كان مسحُ ما دونه مُجزِئاً لَفعَلَه صلى الله عليه وسلم ولو مرَّةً في عُمُرِه تعليماً للجواز، إذ يجب عليه مثلُ ذلك.

بقي الكلامُ على أنَّ مسحَ الرُّبع فرضٌ عملي لا اعتقادي، لأنَّ خبرَ الآحادِ ظنّي في نفسِه مع قطعِ النظر عن صحة دلالته. وقد يُطلقُ الفرضُ على ما يفوت الجوازُ بفوته، كغَسْل الفم والأنف في الغُسل، ويُسمَّى ذلك فرضاً ظنيّاً.


(١) قوله: "عن أنس بن مالك" سقط من المطبوعة والمخطوطة واستدركها الشيخ عبد الفتاح أَبو غُدَّة رحمه الله. فتح باب العناية ١/ ٢٤.
(٢) في المخطوطة: "فحسر" بدل "في".
(٣) الشباطة: الموضع الذي يرمى فيه التراب والأوساخ وما يُكنس من المنازل. النهاية ٢/ ٣٣٥.
(٤) في المخطوطة والمطبوعة: "وقد رواه المغيرة من جهة ابن ماجة" وهو تحريف فيه قلبٌ. نبه عليه شيخنا عبد الفتاح أَبو غُدّة رحمه الله.
(٥) عبارة المطبوعة: "بإسناد مختلفة كما" والمثبت من المخطوطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>