بِسَيرٍ وَسَطٍ، وهُوَ ما سَارَ الإِبلُ والرَّاجِلُ، وفي البَحْرِ مَا سَارَ الفُلْكُ إذَا اعْتَدَلَ الرِّيحُ.
===
فأوْلَى ما اسْتُدِلَّ به عليه قوله صلى الله عليه وسلم «يمسح المقيم يوماً وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليها»(١) . فهو تنصيص على أن مدة السفر لا تنقص عَمَّا يمكن استيفاء هذه الرخصة فيها، لذكر المسافر مُحَلَّى بالألف واللام، فاسْتَغْرَق الجنس لعدم المعهود كما هو في المقيم كذلك.
فاقتضى تمكن كل مسافر من مسح ثلاثة أيام ولياليها، ولا يُتَصَوَّرُ أن يمسح كل مسافر ثلاثة أيام ولياليها إلاَّ وأن يكون أقل مدة السفر ثلاثة أيام ولياليها. إذ لو كان أقل من ذلك لخرج بعض المسافرين عن استيفاء هذه الرخصة. والزيادة عليها منتفية إجماعاً، فكان الاحتياج إلى إثبات أنّ الثلاثة أقل مدة السفر. ولأن الرخصة كانت منتفية بيقين، فلا تثبت إلاَّ بتيقنِ ما هو سفر شرعي، وذا فيما عيَّنَّاه إذ لم يقل أحد بأكثر منه.
لكن قد يُقَال: المراد بمسح المسافر ثلاثة أيام إذاكان سفره يستوعبها فصاعداً، إلاَّ أنه احتمال يخالفه الظاهر، فلا يُصَار إليه، فإن قيل: هذا إنما يتم لو كان ثلاثة أيام ظرفاً ليمسح، وهو ممنوع، بل هو ظرف للمسافر. أجيب بأنه ظرف ليمسح، كما أن يوماً وليلة ظرف له، لأن الكلام على نسق واحد. وأيضاً لا يفهم منه حينئذ مدة المسح للمسافر، ولا حكم المسافر الذي يسافر أقل من الثلاثة.
واختار أكثر المشايخ تقدير أقل مدة السفر بالأميال، ثم اختلفوا فيه فقيل: يقدر بثلاثة وستين ميلاً، وقيل: يُفْتَى بأربعة وخمسين ميلاً. لأنها أوسط الأعداد المذكورة. ذكره في «المحيط».
وقيل: بخمسة وأربعين ميلاً. إمَّا بناءً على ما مر من حديث مجاهد، وإمَّا لأن كل من قَدَّرَه بقَدْرٍ فيها أعتقد أنه مسيرة ثلاثة أيام.
(بِسَيْرٍ وَسَطٍ) أي متوسط معتدل (وهُوَ) في البر (ما سَارَ الإِبلُ والرَّاجِلُ) أي الماشي، وذلك لأن أعجل السير سير البَرِيد، وأبطأه سير العَجَلَة، وخير الأمور أوسطها. (وفي البَحْرِ مَا سَارَ الفُلْكُ) أي السفينة (إذَا اعْتَدَلَ الرِّيحُ) بحيث لم تكن عاصفة ولا هاوية. قال الحاكم الشهيد في «جامعه الصغير»: الفتوى على ذلك. وذكر في «العُيُون» عن أبي حنيفة: أنه يُعْتَبَرُ مسيرة ثلاثة أيام في البر، وإن أسرع في السير وسارها في
(١) أخرجه النسائي في سننه ١/ ٩١، كتاب الطهارة (١)، باب التوقيت في المسح على الخفين (٩٩)، رقم (١٢٩).