للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو فِنَاؤُهُ.

===

عباس قال: «إنّ أول جُمُعَةٍ جُمِعَت (بعد جمعة) (١) في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بجُوَاثا» قرية في البحرين، إذ القرية تطلق على المِصْر في عُرْف الصدر الأول، وهو لُغةُ القرآن، قال الله تعالى: {وقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا القُرْآنُ على رَجلٍ من القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (٢) أي: مكة والطائف، ولا شك أن مكة مِصْر.

وفي «الصِّحَاحِ»: أنَّ جُوَاثا حصن بالبحرين، فهي مصر إذ لا يخلو الحصن عن حاكم وعالم، ولذا قال في «المبسوط»: وجُوَاثا مصر في البحرين، ثم يجب أنْ يُحمل قول عليّ رَضِيَ الله عنه على كونه سَمَاعاً، لأن دليل الافتراض من كتاب الله يفيد العموم في الأمكنة، فإقدامه على نفيها في بعض لا يكون إلاَّ عن سماع، لأنه خلاف القياس المنهي في مثله وفي الصلوات الباقيات أيضاً.

والتحقيق أن قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ} ليس على إطلاقه اتفاقاً بين الأئمة، إذ لا يجوز إقامتها في البراري إجماعاً، ولا في كل قرية عندهما. بل يشترط أن لا يَظْعَن (٣) أهلها عنها صيفاً ولا شتاءً. فكان خصوص المكان مراداً فيهما إجماعاً، فَقَدَّرَا (٤) القرية، وقدَّرنا المِصْرَ، وهو أولْى لحديث عليّ رَضِيَ الله عنه. وهو لو عُورِضَ بقول غيره، كان عليّ رَضِيَ الله عنه مُقَدَّماً عليه، فكيف ولم يتحقق له مُعَارِضٌ؟ ولهذا لم يُنقل عن الصحابة أنهم حين فتحوا البلاد اشتغلوا بنصب المنابر إلا في الأمصار دون القرى، ولو كان لَنُقِلَ ولو آحاداً (٥) .

(أو فِنَاؤُهُ) بكسر الفاء أي حوله المتصل به، ممَّا يُعَدُّ لمصالحه.

وفي «المُنْتَقَى» عن أبي يوسف: لو خرج الإمام عن المِصْر مع أهله لحاجة مقدار ميلين فحضرت الجُمُعَة، جاز أنْ يصلّيَ بهم الجُمُعَة، وعليه الفتوى. لأن فِنَاء المِصْر بمنزلة المِصْر فيما كان من حوائج أهله. وأداء الجمعة أُعِدَّ من حوائجهم. وتجوز الجُمُعَة بمنىً أيام الموسم عند أبي حنيفة وأبي يوسف إذا كان الإمام أمير الحجاز (٦) ، أو كان الخليفة حاجّاً. وقال محمد: لا يجوز لأنَّ مِنىً قرية. ولهما أنَّ مِنىً


(١) ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوط.
(٢) سورة الزخرف، الآية: (٣١).
(٣) يظعن: يسافر ويرتحل.
(٤) أي: قدّر مالك والشافعي القرية.
(٥) "كان" تامَّةٌ هنا، بمعنى وُجِدَ، أي: ولو وُجِدَ هذا الفعل من الصحابة، لَنُقِل إلينا، ولو كان النقلُ آحادًا.
(٦) حرِّفت في المخطوطة إلى: أمير الحاج، والصواب ما أثبتناه. انظر "فتح القدير" ٢/ ٢٤ - ٢٦. وعبارةُ "الهداية": وتجوز بمعنى إن كان الأمير أميرَ الحجاز، أو كان مسافرًا … والتقييد بالخليفة وأمير الحجاز لأن الولاية (أي ولاية الإقامة للجمعة) لهما، أما أمير الموسم فَيَلِى أمور الحج لا غير.

<<  <  ج: ص:  >  >>