للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومَا لا يَسَعُ أَكْبَرُ مَسَاجِدِهِ أَهْلَه، مِصْرٌ، وما اتَّصَلَ بِهِ مُعَدًّا لِمَصَالِحِهِ فِنَاؤُهُ

===

أيَّام الموسم تصير مِصْراً، وأمَّا الجُمُعَة بعرفات فلا تصح إجماعاً، ولو وافق الوقوف، لأنه صلى الله عليه وسلم وقف بها يوم الجُمُعَة، ولم يصلِّ بها الجُمُعَةَ بل الظُّهْرَ والعصر جمعاً. وكذا لا يُصلِّي بمنىً صلاة العيد اتفاقاً لاشتغال الناس بأعمال المناسك في ذلك اليوم.

(ومَا لا يَسَعُ أَكْبَرُ مَسَاجِدِهِ أَهْلَه) الذي يجب عليهم الجمعة (مِصْرٌ) رُوِيَ ذلك عن أبي يوسف. وفيه إشكال، حيث لم يَصْدُقْ على المساجد الثلاثة، اللهم إلاَّ أن يُقَال: إنها مستثناة معلومة من الشريعة، أو يقال: هذا إذا كانت المساجد متعددة، ولا تَعَدُّدَ في مكة والمدينة والقدس. وعنه (١): كل موضع له أميرٌ وقاضٍ يُنَفِّذُ الأَحكام، ويقيم حدود الإسلام. قال في «الهداية» (٢): وهو الظاهر ـ أي من المذهب ـ وعليه أكثر الفقهاء، واخْتَاره الكَرْخِيّ.

وعن أبي حنيفة: كل بلد لها سكك، وأسواق، ووالٍ لدفع المظالم، وعَالِم يُرْجَعُ إليه في الحوادث. قيل: هو الأصحّ. واختار الثَّلْجِي (٣) الأَول (٤) لظهور التواني في أحكام الشرع، لا سيما في إقامة الحدود. وقال محمد: هو كل موضع مَصَّرَه الإمام بإرسال نائب لإقامة الحدود والقصاص، حتى إذا عزله يُلْحَقُ بالقرى.

(وما اتَّصَلَ بِهِ) أي بالمصر (مُعَدَّاً لِمَصَالِحِهِ) أي لمصالح أهله: من ركض خيلهم، ورميهم بسهم، ودفن موتاهم. (فِنَاؤُهُ) وقدّره بعضهم بِفَرْسَخَيْنِ (٥)، وبعضهم بميلين. وفي «الخَانِيَّة»: لا بد أنْ يكون الفِنَاء متصلاً بالمِصْر حتى لو كان بينه وبين المصر فُرْجَة من المزارع والمراعي لا يكون فِنَاءً.

ولو أُقِيمَتْ الجُمُعَة في مصر في مواضع، ففي المذهب أربع روايات:

أولاها عن أبي حنيفة ومحمد وهي أصحها: الجواز سواء كان التعدد في موضعين أو أكثر، لأن في عدم تعدد جوازها حرجاً. والحرج مدفوع، فصارت كصلاة العيدين. وبه قال محمد، وهو مختار السَّرَخْسِيّ.


(١) وعنه: أي عن أبي يوسف، كما في "الهداية". فتح القدير ٢/ ٢٣ - ٢٤.
(٢) عبارة "الهداية" مختلفة، وقد نقلها بالمعنى.
(٣) حرِّفت في المخطوطة إلى: البلخي، والصواب ما أثبتاه. انظر "فتح القدير" ٢/ ٢٤.
(٤) القول الأول في تعريف المِصْر هو: ما لا يسعُ أكبر مساجده أهلَه. أو بعبارة أخرى - كما ورد في "الهداية" -: أنهم إذا اجتمعوا في أكبر مساجدهم لم يسعهم.
(٥) الفَرْسَخ: سبق شرحها، ص: ٢٧٨، التعليقة رقم (٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>