عن جده عمرو:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ في العيدين في الأولى: سبعاً قبل القراءة، وفي الآخرة: خمساً قبل القراءة». قال الترمذي: حديث حسن، وهو أحسن شيء رُوِيَ في هذا الباب. وقال في «علله»: سألت محمداً عن هذا الحديث، فقال: ليس في هذا الباب شيء أصح منه، وبه أقول. قال ابن القَطَّان في كتابه: وهذا ليس بصريح في التصحيح، فقوله: هو أصح شيء في الباب: يعني أشبه ما في الباب وأقل ضَعْفاً ـ يعني عنده ـ، وقوله: وبه أقول، يحتمل أنْ يكون من كلام الترمذي. ونحن وإن خرجنا عن ظاهر اللفظ، ولكن أوجبه أن كثير بن عبد الله متروك.
قال أحمد بن حنبل: كثير بن عبد الله لا يساوي شيئاً، وضرب على حديثه في «المسند» ولم يُحَدّث به. وقال ابن مَعِين: ليس حديثه بشيء. وقال الشافعي: هو ركن من أركان الكذب. وقال ابن دِحْيَة في «العلم المشهور»(١) : وكم حَسَّنَ الترمذي في كتابه من أحاديث موضوعة، وأسانيد واهية، منها هذا الحديث.
وقال الإمام أحمد: ليس في تكبيرة العيدين عن النبيّ صلى الله عليه وسلم حديث صحيح، وإنما أُخِذَ فيها بفعل أبي هريرة. وأشار به ما رَوَى مالك في «الموطأ»، عن نافع ـ مولى ابن عمر ـ قال:«شهدت الأضحى والفِطْر مع أبي هريرة، فكَبَّر في الركعة الأولى: سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الآخرة: خمساً قبل القراءة». قال مالك: وهو الأمر عندنا. وفي «مصنف ابن أبي شَيْبَة»: حدثنا وَكِيع، عن ابن جُرَيْج، عن عَطَاء:«أن ابن عباس كَبَّر في عيد ثلاث عشرة: سبعاً في الأولى، وستاً في الآخرة بتكبيرة الركوع، كلهن قبل القراءة». فثبت بصحته عن الصحابة، وجود أصل له عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وإن كانت طرقه ضعيفة، لِمَا مَرَّ من أنه لا يلزم من ضعفها بطلان الحديث في نفسه، كيف وقد عمل به بعض الصحابة، وهو أمر مخالف للقياس، إذ هو من قبيل المقادير.
ثم علماؤنا والشافعيّ يرفعون الأيدي في تكبيرات الزوائد، كتكبيرة الإحرام، خلافاً لمالك ـ وهو رواية عن أبي يوسف ـ اعتباراً بتكبير الركوع. قلنا: الرفع لإعلام الأصم، وتكبيرة الركوع تُؤَدَّى في حال الانتقال، فلا حاجة إلى رفع اليدين للإعلام، كذا قالوه. ولكن يُنْتَقَضُ بتكبيرات الجنازة، حيث قال جمهور علمائنا: إنه لا رفع فيها.
(١) واسم الكتاب كاملًا: العلم المشهور في فضائل الأيام والشهور. انظر كشف الظنون: ٢/ ١١٦١.