وأمَّا التقيدُ به في حديث «الشيخين» عن أبي هريرة: «إذا استيقظ أحدُكم من نومه فلا يَغْمِسْ يدَه في الإِناء حتى يَغسِلَها، فإنَّه لا يدري أين باتَتْ يدُه»، ولفظُ مسلم:«حتى يغسلها ثلاثاً»، ولفظُ البزَّار من حديث هشام بن حسان:«فلا يغمسَنَّ يدَه في طَهوره حتى يُفرِغَ عليها ثلاثاً»، مؤكَّداً بالنون الثقيلة، وهو هكذا في «الهدايةِ» ومُعظَمِ كتبِ أصحابنا؛ فلأنَّ توهُّمَ نجاسةِ اليدِ يكونُ من المستيقظ غالباً.
وعن عروةَ بن الزبير وأحمد بن حنبل وداودَ الظاهري: أنه يجبُ على المستيقظ من نومِ الليل غَسْلُ اليدين لظاهر الحديث. قيل: وهو مذهبُ أبي هريرة وابن عمر والحسن.
وفي «الكفاية»: ينوبُ هذا الغَسلُ المسنونُ عن الغَسلِ المفروض، كالفاتحةِ واجبةٌ في الصلاة، وتنوبُ عن القراءة المفروضة فيما لو صلَّى ولم يَقرأ غيرَها.
(والسِّواكِ) قيل: عطفٌ على البدايةِ، والأظهَرُ أنه مجرورٌ عطفاً على التسمية، ليدلَّ على أن السُّنَّة استعماله في أوَّله. وقد صرَّحوا بأنَّ محلَّه قبل المضمضة. ولعلَّ مرادَهم أنه آخِرُ وقته، إذ يجوزُ تقديمُه على غَسل يده، كما صَرَّح به بعضُهم. ثم هو بكسر السين، اسمٌ للاستياك، وهو المرادُ هنا، وقد يُطلَق على العُود الذي يُستاكُ به، فيقدَّرُ مضافٌ، أي استعمالُه.
وإنما كان سُنَّةً لقوله عليه الصلاة والسلام:«لولا أنْ أشُقَّ على أمَّتي لأمرتُهم بالسِّواكِ عند كلّ صلاة» أو: «مع كلّ صلاة» رواه الستة، وعند النسائي في رواية:«عندَ كلّ وضوء»، ورواها ابنُ خُزيمة في «صحيحه» وصحَّحها الحاكم، وذكرها البخاريّ تعليقاً.
والمعنى: لأمرتُهم وجوباً، وإلاَّ فقد أمرَهم سُنَّة. وروى أبو داود عن عائشة أنه عليه الصلاة والسلام:«كان لا يَرْقُدُ مِنْ ليلٍ أو نهار فيستيقظ إلا تسوَّكَ قبل أن يتوضَّأ». وورد في «مسند أحمد» أنه عليه الصلاة والسلام قال: «صلاةٌ بسواكٍ أفضلُ مِنْ سبعين صلاةً بغير سِواك». واختار ابنُ الهمام أنه من مستحبات الوضوء.
وينبغي أنْ يكون ليِّناً في غِلَظ الإِصبع وطولِ الشِّبر، مستوياً قليلَ العُقَد، من الأشجار المُرَّة، ليكون أقطعَ للبلغم، وأنقى للصدر، وأهنأ للطعام. وأنْ يَستاكَ به عَرْضاً وطُولاً أي عَرْضَ الأسنانِ، وهو طولُ الفم، ولو اقتصر على أحدهما فطُولاً، وقيل: يَستاك عَرضاً لا طولاً. ويَستاكُ بأصابعِه عند عدمهِ أو عدم أسنانه لقوله عليه الصلاة والسلام:«يُجزِي مِنْ السِّواكِ الأصابعُ»، رواه البيهقي عن أنس بألفاظ مختلِفة، وروى الطبراني عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ: يا رسول الله، الرجلُ يَذهبُ فُوهُ يَستاكُ؟ قال:«نعم»، قلتُ: كيف يَصنعُ؟ قال:«يُدخِلُ إصبعَهُ في فيه».