للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبغسلِ يديه إِلى رُسْغَيه ثلاثًا،

===

يتوضأ فسلَّمت عليه، فلم يَرُدَّ عليَّ، فلما فَرَغ قال: إنه لم يَمنعني أن أردَّ عليك إلا أني كنتُ على غير وُضوء». رواه أبو داود، وابنُ ماجه، وابنُ حِبَّان في «صحيحه». وروى أبو داود عن نافع قال: انطلقتُ مع عبدِ الله بن عُمَر في حاجة إلى ابنِ عباس، فلما قَضَى حاجتَه كان من حديثه أن قال: مَرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في سِكَّة من سِكَك المدينةِ وقد خَرَج من غائطٍ أو بولٍ إذْ سلَّمَ عليه رجلٌ، فلم يرُدَّ عليه السلَامَ، ثم إنَّه ضرَبَ بيده الحائطَ فمسَحَ وجهَهُ مسحاً، ثم ضَربَ ضربةً فمسَحَ ذراعيه إلى المرفقين، ثم كَفَّه، وقال: «إنه لم يمنعني أن أرُدَّ عليك إلا أني لم أكن على طهارة»، وما في «الصحيحين»: أنه عليه الصلاة والسلام أقبَل مِنْ نحو بئرِ جَمَل (١) ، فلقيه رجلٌ فسلَّم عليه، فلم يَرُدَّ عليه حتى أَقبل علَى الجِدار فمَسَحَ وجهه ويديه، ثم رَدَّ عليه السلامَ. فهذه الأحاديثُ متظافِرةٌ على عدم ذكرِه صلى الله عليه وسلم على غير طهارَة، ومقتضاه انتفاؤهُ في أوَّل الوضوء الكائن عن حَدَث.

والجوابُ أنَّ المُعارضَةَ غيرُ متحقِّقة، لأن كراهة (٢) ذكرٍ لا يكونُ من متمّمات الوضوء لا يَستلزم كراهة ما جُعِلَ شرعاً مِنْ ذكرِ الله تعالى تكميلاً له، فذلك الذِّكرُ ضروري للوضوء الكامل شرعاً، فلا تعارُضَ للاختلاف قطعاً.

(وبغسلِ يديه إِلى رُسْغيه ثلاثاً) جرَّ الغَسْلَ بالباء وعَطَفه على بالتسمية، للتصريح بأنَّ هذا الغَسْلَ سُنَّة باعتبار البداءة به، كما أنَّ التسمية كذلك، ولذا لا يكون الإِتيان بواحدٍ منهما في أثناء الوضوء إتياناً بالسُّنَّة. وأما تقديمُ التسمية على غَسل اليد فجائز بل متعيِّن. والرُّسْغ بضّم الراء وسكونِ السين المهملة، فغين معجمة: المَفْصِلُ الذي بين الساعدِ والكفّ.

ولم يُقيِّد الغَسلَ بالاستيقاظِ من النوم في بعض النسخ، لأنَّ هذا الغَسلَ سُنَّة في غير المستيقظ أيضاً، لأن عِلَّة الغَسل وهي احتمالُ أنَّه مَسَّ بيده أعراقَ (٣) بدنه موجودةٌ في المتنبِّه أيضاً، ولأنَّ مَنْ حَكى وضوءَه عليه الصلاة والسلام قدَّمه، وإنما كان يُحكَى ما كان دأبَه وعادتَه في سائر الأيامِ، لا خصوصَ وضوئِه الذي بعد المنام. بل الظاهرُ أنَّ اطَّلاعهم على وضوئه من غير النوم كان أكثر.


(١) بئر جَمَل: موضع بالمدينة فيه مال من أموالها. معجم البلدان ١/ ٢٩٩.
(٢) عبارة المخطوطة: "لأن ذكر الله تعالى ذكر لا يكون من متممات الوضوء، فلا يستلزم كراهة".
(٣) العَرَق: رَشْحُ جلد الحيوان، ويستعار لغيره. القاموس المحيط ص ١١٧١ مادة (عرق).

<<  <  ج: ص:  >  >>