«سألت ثلاثة ـ كلهم له في قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم أبٌ ـ سألت أبا جعفر محمد بن عليّ، وسألت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وسألت سالم بن عبد الله. قلت: أخبروني عن قبور آبائكم في بيت عائشة، فكلهم قالوا: إنها مُسَنَّمَة».
ويُكْرَه التَّرْبيع عندنا. ويُسَنّ عند مالك والشافعي لِمَا في «صحيح مسلم»، عن أبي الهَيَّاج الأَسَدِي قال:«قال لي عليّ: أَبْعَثُك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع تمثالاً إلاَّ طمسته، ولا قبراً مشرِفاً إلاَّ سوَّيته». وعن أبي عليّ الهَمْدَانِيّ قال:«كنا مع فَضَالة بن عُبَيْد، فَتُوُفِّيَ صاحب لنا، فأمر فَضَالة بقبره فَسُوِّي. ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها». زاد أبو داود:«بِرُودِس بأرض الروم. ثم قال: هي جزيرة في البحر. قلنا: هو محمول على ما كانوا يفعلونه من تَعْلِية القبور بالبناء العالي لِمَا رواه محمد بن الحسن في «الآثار»: أخبرنا أبو حنيفة قال: حدثنا شيخ لنا يرفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم «أنه نهى عن تربيع القبور وتجصيصها».
ولا يُخْرَجُ الميت من القبر بعد إهالة التراب عليه، وإن قصرت المدة، إلا أنْ تكون الأرض مغصوبة، وشاء صاحبها إخراجه، أو نَسِيَ في القبر متاع إنسان. ولذا لم يُحَوَّلْ كثير من الصحابة، وقد دفنوا بأرض الحرب. ولا بأس بنقله قبل تسوية اللَّبِن عليه نحو ميل أو ميلين، لأن المسافة إلى المقابر قد تبلغ هذا المقدار.
قال صاحب «الهداية» في «التَّجْنِيس»: لا إثم في النقل من بلد إلى بلد، لِمَا نُقِلَ: أن يعقوب عليه السلام مات بمصر، فنُقِلَ إلى الشام، وموسى عليه السلام نَقَل تابوت يوسف عليه السلام بعدما أتى عليه زمان من مصر إلى الشام، ليكون مع آبائه. انتهى. ولا يخفى أن هذا شرع من قبلنا، ولم يتوفر فيه شروط كونه شرعاً لنا، إلاَّ أنه نُقِلَ: «أن سعد بن أبي وَقَّاص مات في ضيعة على أربعة فرَاسِخ (١) من المدينة، فَحُمِلَ على أعناق الرجال إليها».
ويُكْرَه القعود على القبر، ووطئه، والنوم عنده، والبول، والتغوّط عليه. وقال مالك، والطَّحَاوي: المراد بالجلوس على القبر المَنْهِيّ عنه: الجلوس للحدث. ويَحْرُم البناء عليه للزينة، للإسراف وعدم المنفعة.