للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وينبغي أن يُعَلَّمَ القبر بعلامة لقول المُطَّلِب: «لَمَّا مات عثمان بن مَظْعُون وأُخْرِجَ بجنازته، فَدُفِن، وأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم رجلاً أن يأتيه بحجر، ولم يستطع حمله، فقام إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحَسَر (١) عن ذراعيه، ثم حملها فوضعها عند رأسه وقال: أَتَعَلَّمُ به قبر أَخي (٢) ، وأَدْفِنُ إليه من مات من أهلي». رواه أبو داود.

ولا بأس بدفن اثنين أو أكثر في قبر واحد عند الضرورة لقول هشام بن عامر: «جاءت الأنصار إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم أُحُد. فقالوا: أصابنا قَرْحٌ (٣) وجهد، فكيف تأمرنا؟ قال: احفِروا، وأوسعوا، واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر. فقيل: أيهم نُقَدِّم؟ قال: أكثرهم قرآناً. قال: وأصيب أبو عامر يومئذٍ بين اثنين». رواه أبو داود.

ويُكْرَه الدفن ليلاً بلا ضرورة لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تَدْفِنوا أمواتكم بالليل إلا أن تضطروا». رواه ابن ماجه. وروى مسلم: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم خطب يوماً، فذكر رجلاً من أصحابه قُبِضَ، ودُفِنَ في كفن غير طائل، وقُبِر ليلاً. فزجر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يُقْبَرَ الرجل بالليل حتى يُصَلَّى عليه، إلاَّ أنْ يضطر رجل إلى ذلك. وقال صلى الله عليه وسلم «إذا كَفَّنَ أحدكم أخاه، فليحسن كفنه».

ولا يُحْفَرُ قبرٌ لدفن آخر إلاَّ إذا بَلِيَ الأَول، ولم يبق له عظم، إلاَّ أن لا يُوجد بدٌ منه، فيُضَمُّ عظام الأول، ويُهَال بينها وبين الميت بالتراب ونحوه. ويكره الدفن في الأماكن التي تسمى فَسَاقِي (٤) . ويلقى الميت في البحر بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه إنْ بَعُدَ البر، وخيف من الضرر. وعن أحمد: يُثَقَّل ليرسب. وعن الشافعية كذلك، إن كان قريباً من دار الحرب، وإلاّ شُدَّ بين لوحين، ليقذفه البحر فيدفن.

ويسن الدعاء عند القبور دائماً، كما كان يفعل النبيّ صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى البقيع. ويقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنَّا إن شاء الله بكم لاحقون، وأسأل الله لي ولكم العافية». ويجوز الجلوس للمصيبة ثلاثة أيام، وهو خلاف الأوْلى. ويُكْرَه


(١) حَسَرَ: أَي كشف. المعجم الوسيط ص: ١٧٢، مادة "حَسَرَ".
(٢) في المخطوط: أهلي، والمثبت من المطبوع وهو الصواب لموافقته لما في سنن أبي داود ٣/ ٥٤٣، كتاب الجنائز (٢٠)، باب في جمع الموتى في قبر، والقبر يعلم (٥٧، ٥٩)، رقم (٣٢٠٦).
(٣) القَرْح: الجُرْح. أرادوا ما نالهم من القتل والهزيمة يومئذ. النهاية: ٤/ ٣٥.
(٤) الفَسَاقِيّ: جمع الفَسْقِيَّة وهي حوض من الرخام ونحوه مستدير غالبًا، ويكون في القصور والحدائق والميادين. المعجم الوسيط ص: ٦٨٩، مادة (فسق).

<<  <  ج: ص:  >  >>