يجب المال بنفس القتل. ولو قُتِل ظلماً بغير حديدة ليس له حكم الشهيد عند أبي حنيفة، فَيُغَسَّل. وله حكمه عندهما، فلا يُغَسَّل. بناء على أن موجب هذا القتل: المال، وهو قول أبي حنيفة، أو: القصاص، وهو قولهما، وبه قال مالك والشافعي.
(ولَمْ يَرْتَثَّ) بتشديد المثلثة أي: لم يرتفق بشيء من مرافق الحياة، أو لم يثبت له حكمٌ من أحكامها كما سيأتي بيانه.
ولا يختص الشهيد عندنا بمن مات في قتال الكفار بسببه، كما خصَّه مالك والشافعي، اعتباراً بشهداء أُحُد بجامع كون القاتل كافراً. قلنا: أهل البغي كأهل الحرب، لأن محاربتهم مأمور بها. قال الله تعالى:{فَقَاتِلُوا التي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}(١) فهو في هذه المحاربة باذل نفسه لابتغاء مرضاة الله تعالى كالمقتول في محاربة الكُفَّار، وكذا قُطَّاع الطَّريق، لأنه تعالى وصفهم بكونهم محاربين اللَّهَ ورسولهَ.
(فَيُنْزَعُ عَنْهُ غَيْرُ ثَوْبِهِ) أي غير ثوب يختص بالميت كالفَرْوِ، والحَشْوِ، والقَلَنْسُوَة، والسلاح، والخُفِّ. (ويُزَادُ) إن نقص ما عليه من الكفن (ويُنْقَصُ) إن زاد (لِيَتِمَّ كَفَنُهُ) لأن ذلك لا يزيل أثر الشهادة. ولما روى أبو داود، وابن ماجه، عن ابن عباس قال:«أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أُحُد أن يُنْزَعَ عنهم الحديد والجلود، وأنْ يدفنوا بدمائهم وثيابهم».
(ولا يُغَسَّلُ) لِمَا روى البخاري وأصحاب السنن الأربعة عن اللَّيْث بن سعد، عن الزُّهْرِيّ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر بن عبد الله:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قَتْلَى أُحُد. وقال: أيهما أكثر قرآناً فإذا أشِير إلى أحدهما قَدَّمه في اللحد. فقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة. وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلهم». زاد البخاري والترمذي: ولم يُصَلِّ عليهم.
قال الترمذي:«حديث حسن صحيح». وقال النَّسائي: لا أعلم أحداً تابع اللَّيث من أصحاب الزُّهْرِيّ على هذا الإسناد، واخْتُلِفَ عليه فيه. انتهى. ولم يُؤَثِّر عند البخاري والترمذي تفرَّد الليث بهذا الإسناد، بل احتج به البخاري، وصححه الترمذي.
(ويُصَلَّى عَلَيْهِ) وقال مالك، والشافعي، وأحمد في المشهور عنه: لا يُصَلَّى عليه لِمَا قَدَّمناه. ولنا: ما روى البخاري من حديث عُقْبَة بن عامر: «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم خرج