يوماً، فصلى على قَتْلَى أحد صلاته على الميِّت، ثم انصرف إلى المِنْبَر فقال: إني فَرَطُكم ـ أي على الحوض ـ وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أُعْطِيتُ مفاتيح خزائن الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أنْ تنافسوا فيها». وروى أيضاً:«أن النبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى على قَتْلَى أُحُد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات».
فثبت بهذا أنَّ الشهيد يُصَلَّى عليه، لأنه آخر فعله في شهداء أُحُد. وروى الحاكم وصححه، عن جابر قال:«فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة حين فاء الناس من القتال ـ أي رَجَعوا ـ فقال رجل: أنا رأيته عند تلك الشجرة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه فلما رآه، ورأى ما مُثِّلَ به، شَهِقَ، وبَكَى. فقام رجل من الأنصار فرمى عليه بثوب، ثم جِيء بحمزة فصلّى عليه. ثم جيء بالشهداء كلهم». وفي «مسند أحمد»: حدَّثنا عفان بن مسلم: حدَّثنا (حمَّاد بن) سلمة (١) : حدَّثَنا عطاء بن السائب، عن الشَّعْبِي، عن ابن مسعود ـ رَضِي الله تعالى عنهم ـ قال:«كان النِّساء بأُحُد خلف المسلمين يُجْهِزْن على جرحى المشركين. إلى أن قال: فوضع النبيّ صلى الله عليه وسلم حمزة، وجيء برجل من الأنصار فَوُضِعَ إلى جنبه، فصلّى عليه ثم رُفِعَ. وتُرِكَ حَمْزَة حتى صَلَّى عليه يومئذٍ سبعين صلاة». ورواه عبد الرزاق عن الشَّعْبِي مرسلاً، ولم يذكر ابن مسعود.
وفي «المُسْتَدْرَك»، و «سنن البيهقي»، عن يزيد بن أبي زياد، عن مِقْسَم، عن ابن عباس ـ رضِيَ الله تعالى عنهم ـ قال:«أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة يوم أُحُد فَهُيِّءَ للقبلة ثم كَبَّر سبعاً. ثم جمع إليه الشهداء حتى صلى عليه سبعين صلاة». وزاد الطَّبَرَانِيّ:«ثم وقف عليهم حتى واراهم». وسكت الحاكم عنه. وفي «مراسيل أبي داود»، عن عطاء بن أبي رَبَاح:«أنه صلى الله عليه وسلم صلّى على قَتْلى أُحُد». أسنده الواقِدِيّ في «المَغَازِي» قال: حدثني زيد بن عبد الله، عن عطاء، عن ابن عباس، فذكره.
وأسند في «فتوح الشام» عن سيف مولى ربيعة بن قيس اليَشْكُري قال: «كنت في الجيش الذي وجهه أبو بكر الصديق مع عمرو بن العَاص أَيْلَة وفلسطين». فذكر القصة بطولها وفيها:«أنه قُتِلَ من المسلمين مئة وثلاثون. وصلى عليهم عمرو بن العاص ومن معه من المسلمين، وكانوا تسعة آلاف».
(١) في المطبوع: حدّثنا سلمة، والمثبت من المخطوط وهو الصواب لموافقته لما في "مسند الإمام أحمد" ١/ ٤٦٣.