للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن زَادَ الخَوْفُ صَلُّوا رُكْبَانًا فُرَادَى، بإِيمَاءٍ إِلى أَيِّ جِهَةٍ قَدِرُوا. ويُفْسِدُها القِتَالُ

===

آية القَصْر بين الظهر والعصر، فلما حضرت صلاة العصر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة والمشركون أَمَامَه»، وهكذا فَعَل أَبو موسى. فَعَلَى هذا لا يَتِمُّ جوابنا عن قول أَبي يوسف بأَن أَبا موسى صَلاَّها بأَصْبَهَان، وسعد بن أَبي وقَّاص في حَرْب المجوس بطَبَرِسْتَان، ومعه الحسن بن علي وحُذَيْفة بن اليَمَان وعبد الله بن عمرو بن العاص، حتى يَثْبُت أَنهم صلّوها على غير هذه الصِّفة.

ثُم حَمْلُ السلاح في الصلاة عند الخوف مستحبٌ عندنا لا واجبٌ، كما قال مالك والشافعي، عَمَلاً بظاهر الأَمر في قوله تعالى: {وليَأْخُذُوا حِذْرَهُم وأَسْلِحَتَهُمْ} (١) ، قلنا هو محمول على النَّدْب، لأَنَّ حَمْلَها ليس من أَعْمَالها فلا يجب فيها.

ثُم اعلم أَنَّ صلاة الخوف على الصفة المذكورة، إِنما يلزم إِذا تنازع القوم في الصلاة خلف الإِمام، أَمَّا إِذا لم يتنازعوا فالأَفضل أَنْ يصلِّي بإِحدى الطائفتين تمام الصلاة، ويُصلِّي بالأُخرى إِمَامٌ آخر.

(وإِن زَادَ الخَوْفُ) بِأَنْ لم يَدَعْهم العدو يصلُّون نازلين بل يهاجمهم (صَلَّوا) حينئذ (رُكْبَاناً) لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفتم فرِجَالاً أَوْ رُكْباناً} أَي فإِنْ زِدْتُم في الخوف، فَصَلُّوا حالَ كَوْنِكُم قائمين أَوْ رَاكِبينَ (فُرَادَى) لعدم اتحاد المكان، إِلاَّ إِذا كان الإِمام والمأْموم على دابةٍ واحدةٍ. وعن محمد: تجوز صلاتهم جماعةً، وبه قال مالك والشافعي، لأَنه جوَّز لهم ما هو أَشدُّ من ذلك، وهو الانحراف والذهاب والإِياب.

(بإِيمَاءٍ) في الركوع والسجود. (إِلى أَيِّ جِهَةٍ قَدِرُوا) إِذا عجزوا عن الاستقبال، لما روى البخاري في قوله تعالى: {فإِنْ خِفْتُم فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} (٢) ، عن نافع: أَنَّ عبد الله بن عمر كان إِذا سُئِل عن صلاة الخوف قال: «يتقدم الإِمام وطائفة مِنْ النَّاس، فصلَّى بهم الإِمام ركعةً، وتكون طائفةٌ منهم بينهم وبين العدو لم يصلُّوا، وإِذا صَلَّى الذين معه ركعةً استأخروا مكان الذين لم يُصلُّوا … إِلى أَنْ قال: فإِذا كان خوف هو أَشدّ من ذلك، صَلَّوا رجالاً قياماً على أَقدامهم، أَوْ رُكْباناً مُسْتَقبِلي القبلة، أَوْ غير مستقبليها». قال مالك: قال نافع: لا أَرى عبد الله ذَكَرَ ذلك إلاَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(ويُفْسِدُها القِتَالُ)، عندنا، خلافاً للشافعي، وهو روايةٌ عن مالك، لأَن الأَمر


(١) سورة النساء، الآية: (١٠٢).
(٢) سورة البقرة، الآية: (٢٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>