للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَّا أَنْ يَتَصدَّقَ بالكُلِّ.

===

المِقْدَار الواجب من المالِ، لأَن الزكاة عبادة، فلا تتأَدى بلا إِخلاص، قال الله تعالى: {وما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ له الدِّينَ} (١) ، ولا إِخلاص بلا نيّة، وقد صح حديثُ: «إِنَّما الأَعْمَالُ بالنِّيَّات» (٢) . والأَصلُ اقتران النيّة بالأَداءِ كما في الصلاة إِلاَّ أَنَّ الدفع يتفرق ظاهراً، فاكْتُفِيَ بوُجُودِ النِّيَّةِ عَنْدَ العَزْلِ تَيْسيراً على المُؤَدِّي، كجواز تقديمها في الصوم للعجز عن اقترانها بأَوَّل الصبح.

(إِلاَّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بالكُلِّ) فلا يُشْتَرَطُ النيةُ استحساناً، لأَن النصاب محل الوجوب، وقد حصل بجميعه للفقير، فحصل له القدر الواجب، إِذْ الغَرَضُ من النيّة التعيينُ، ولا حاجة هنا إِلى التعيين. والحاصل: أَنَّ التصدُّق بكل المال بلا نية زكاة يُسْقِطها، لأَنَّ الواجب جزء (من) (٣) النصاب، فإِذا أَدَّى الكُلَّ فقد أَدَّى الواجب ضرورة. بَقِيَ أَنَّ النية شَرْط، ولم يوجد. وأُجِيبَ بأَنَّ الواجب نيةُ أَصْل العبادة لِيَمْتَازَ عن العادة، وقد وُجِدَت إِذِ الكلامُ فيما إِذا تصدّق على الفقير، والصدقة ما يُرَاد بها رَضَا الله تعالى تعالى عنه، ونيَّة الفرض إِنَّما تُشْتَرَطُ لِتَحْصِيل التعيين، وذا عند عدم التعيين، والواجب مُتَعَيِّنٌ في هذا النصاب، فلا حاجة إلى التعيين، وصار كما إِذا نوى في رمضان الصوم مطلقاً، فإِنَّه يقع عن الفرض وإِنْ لم يُعَيِّنْهُ لَتَعَيُّنِهِ.

ولو تَصَدَّقَ ببعض النصاب، سقط زكاة ذلك البعض عند محمد، لأَن الوجوب شائع في الكل، فسقط منها بحصة ما تصدّق به، لأَن البعض مُعْتَبرٌ بالكل، ولهذا لو هلك البعض يهلك بما فيه، كما لو هلك الكل. وعند أَبي يوسف لا تسقط لجواز أَنْ يكون الباقي هو المحل للوجوب. ولو كان له دين على فقير فأَبْرَأَهُ منه، سقط زكاته، نوى أو لم ينو، ولو أَبرأه عن بعضه ففي سقوط زكاة ذلك البعض ما تقدم من الخلاف. ولو نوى (بما أَبْرَأَ منه الأَداءَ) (٤) عن الباقي، أَوْ عن دين آخر لا يجزيه. ولو كان له دين على غني فوهبه له بعد وجوب الزكاة، قيل: يضمن القَدْرَ الواجب، وقيل: لا يضمن.


(١) سورة البيِّنة، الآية: (٥).
(٢) أخرجه الإِمام البخاري في صحيحه (فتح الباري) ١/ ٩، كاب بدء الوحي (١)، باب كيف كان بدء الوحي إِلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (١)، رقم (١).
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) سقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>