للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتثليثُ الغَسل، ومسحُ كلِّ الرأس مرَّةً،

===

(وتثليثُ الغَسْل) أي غَسْلِ الوجه، واليدين، والرجلين، عطفٌ على تخليل اللحية. وإنما كان سُنَّةً لِمَا روى أبو داود، والنسائي، وابن ماجه من حديث عَمْرو بن شُعَيب، عن أبيه، عن جَدِّه: أنَّ رجلاً أتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف الطُّهورُ؟ فدَعا بماءٍ في إناءٍ فغَسَل كفَّيه ثلاثاً، فذكَرَ صفةَ الوضوء ثلاثاً ثلاثاً إلاَّ الرأسَ، ثم قال: «هكذا الوضوءُ فمَنْ زادَ على هذا أو نَقَص فقد أساء وظَلَم» أو: «ظَلَم وأساء». وفي روايةِ ابن ماجه: «فقد تَعَدَّى وظَلَم»، وللنسائي: «فقد أساء وتعدَّى وظَلَم». وهذا إذا زاد على الثلاث أو نَقَص عنه معتقداً أنَّ السُّنَّة هذا، أمَّا لو زاد لطمأنينةِ القلب عند الشكّ، أو نقَصَ لحاجةٍ فلا بأسَ به، إذ توضَّأ عليه الصلاة والسلام ثلاثاً ثلاثاً، ومرَّتين مرَّتين، ومرَّةً مرَّةً.

وظاهرُ العبارة تُوهِمُ أنَّ كُلاً من المرَّات الثلاث سُنَّة، لكن المراد منه أن الأُولَى ركنٌ، والثانيةَ والثالثةَ سُنَّة. وهذا هو الصحيح. وقيل: الثانيةُ سنةٌ، والثالثةُ نَفْل، وقيل: بعكسه، وقيل: إذا توضَّأ ثلاثاً ثلاثاً فالثلاث فرض، وهذا بعيدٌ جداً.

(ومسحُ كلِّ الرأس) أي استيعابُه (مرَّة) لِمَا تقدَّم عن عبد الله بن زيد بن عاصم، ولِمَا حكَت الرُّبَيِّعُ بنتُ مُعَوِّذٍ أنها رأت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يتوضَّأ، قالتْ: فمسَحَ رأسَه ما أقبَلَ منه وما أدبرَ، وصُدْغَيهِ، وأُذُنيه مرَّةً واحدة، ولِمَا رُوِي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مسَحَ رأسَه بيديه، فأقبلَ بهما وأدبر، بدأَ بمُقدَّم رأسه، ثُم ذهَبَ بهما إلى قفاه، ثم رَدَّهما حتى رجع إلى المكانِ الذي بدأ منه، ثم غَسَل رجليه. رواه الترمذي.

والأظهرُ في كيفية المسح: أن يَضعَ كفَّيهِ وأصابعَه على مقدَّمِ رأسه ويمُدَّها إلى قفاه على وجهٍ يستوعبُ الرأسَ، ثم يمسَح بإصبعيه أذنيه. ولا يكونُ الماءُ مستعملاً بهذا، لأن الاستيعابَ بماءٍ واحد لا يكون إلا بهذا الطريق، ولأن مسحَ الأذنين بماء الرأس، ولا يكونُ ذلك إلا بماءٍ مَسَحَ به (١) الرأس، ولأنه لا يَحتاج إلى تجديد الماء لكل جزء من أجزاء الرأس، فالأُذن أولى لكونه تبعاً له، كذا ذكره في «شرح الكنز» (٢) ، واختاره ابنُ الهمام لأنه أوفق بما رُوِي عنه عليه الصلاة والسلام.

وقال صاحبُ «المحيط»: يُستحبُّ في الاستيعاب أن يضعَ مِنْ كلِّ واحدةٍ من اليدين ثلاثَ أصابع على مقدَّم رأسه ـ ولا يضعُ الإِبهام والسبَّابة ـ ويُجافيَ كفَّيه،


(١) لفظة: "به" زيادة من المخطوطة.
(٢) المسمى "تبيين الحقائق" للزيلعي ١/ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>