وقال أَبو عبيد: كانت الدَّرَاهم قبل الإِسلام كباراً وصغاراً، فلما جاء الإِسلام وأَرادوا ضَرْبَ الدراهم، ـ وكانوا يزكونها من النوعين ـ فنظروا إِلى الدِّرْهم الكبير إِذا هو ثمانية دَوَانيق، وإِلى الدرهم الصغير فإِذا هو أَربعة دَوانِيق، فوضعوا زيادة الكبير على نقصان الصغير فجعلوهما درهمين سواء، كُلُّ واحد سِتَّةُ دَوانِيق، ثم اعتبروها بالمثاقيل، ولم يزل المثقال في آباد الدهر محدوداً لا يزيد ولا يَنْقُصُ، فوجدوا عَشْرَةً من هذه الدراهم التي واحِدُها سِتَّةُ دوانيق وَزْنَ سبعة مثاقيل سواء، فاجتمع فيه أَنَّ العشرة منها وزن سبعة مثاقيل، وأَنَّهُ عدل بين الكبار والصغار، وأَنَّه موافق لِسُنَّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة، فمضت سنة الدراهم على هذا، فاجتمعت عليه الأئمة، انتهى.
وفي «صِحاح الجوهري»: الدَّانِق: سُدُسُ دِرْهَم. والقِيرَاط: نصف دانق. وقال ابن الأَثير: القِيرَاط: جزأ من أَجزاء الدينار، وهو نِصْفُ عُشْرِهِ في أَكثر البلاد. وأَهلُ الشام يجعلونه جُزءاً من أَربعة وعشرين، والياء فيه بَدَلٌ من الراء، فإِن أَصله قِرَّاط مُضَعَّفاً، كما أَنَّ أَصْلَ دِينار دِنَّار، والجمع فيهما قَرَارِيط، ودنانير. وفي «شرح الوقاية»: المِثْقَال: عشرون قِيراطاً، والدرهم: أَربعة عشر قيراطاً، والقِيراط: خمس شعيرات.
وفي «الغاية»: دراهم مصر أَربعة وستون حبة، وهو أَكبر من درهم الزكاة، فالنصاب منه مئة وثمانونَ دِرْهَمَاً وحبتان. وفي «القنية»: المُعْتَبَرُ في الزكاة وزن عشرة دنانير بوزن مكة، يَنْقُصُ عَمَّا عندنا بِثُلُثَي دينار، فلو بلغت الدنانير بوزن بلدتنا ثمانيةَ عَشَرَ وثلثي دينار، يجب فيها الزكاة. وفي ديات «الخُلاصَة»: أَنَّ كل عشرة من مثاقيل مكة تسعة من مثاقيل غيرها. وفي «الفتاوى المنصورية»: يُعْتَبَرُ في كُلِّ زمن عادة أَهْلِهِ، فَيُعْتَبَرُ دَرَاهِمُ ودنانيرُ كل بلدة بوزنها وإِنْ كان وزنها في البلاد متفاوتاً.
قال بعض المحققين: وهذا يقتضي أَنَّ النصاب ينعقد من الصغار، وهو الحق، لأَنَّهم لم يختلفوا في تفاوت الدراهم صِغَراً وكِبَراً في زمان النبيّ صلى الله عليه وسلم فبالضرورة تكون الأوقية مختلفة أيضاً بالصغر والكبر. وقد أَوْجَب النبيّ صلى الله عليه وسلم في خمس آواق الزكاة مطلقاً من غير تقييد بِصِنْف، فإِذا صَدَقَ على الصغيرة خمس آواق يجب الزكاة فيها بالنص.
ويؤيده ما نقل أَبو عُبَيْد: أَنهم كانوا يُزَكُّون من النوعين، ومن هذا ـ والله تعالى أَعلم ـ ذهب بعضهم إِلى أَنَّ المُعْتَبَرَ في حَقِّ كل أَهل بلد دراهمهم. ذكره قاضيخان،