للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والترتيبُ، والوِلاءُ.

===

فإنَّ المباحاتِ تُعتبر شرعاً بلا نيَّة، كالطلاق، والنكاح، وسائرِ المعاملات، بل المرادُ بها الطاعاتُ المستقلةُ، دون ما يتعلَّق بها من الشرائط التي هي كالوسيلة من طهارةِ الثوب، وسَتْرِ العورة، ومعرفةِ القِبلة، فالنيَّةُ فيها تُوجبُ المثوبة، وتُصيِّرُ العملَ عبادة، فمن ادَّعى أنَّ الشرطَ وضوءٌ هو عبادةٌ، فعليه البيانُ.

وصورةُ الخلاف إنما يَتحقَّقُ في نحوِ مَنْ دَخَل الماء مدفوعاً أو مختاراً لقصدِ التبرُّد، أو مجرَّدِ قصدِ إزالةِ الوسَخ، أو مجرَّدِ تعليم الضوء.

ثم محلُّ النية إمَّا في مبدأ سُنَن الوضوء، أو في أوَّل فرائضه، والأوَّل أكملُ وأفضل، لكن الأولَى أن يَستديمها إلى غَسْل الوجه، فتأمَّل.

(والترتيبُ) أي بين أعضاء الوضوء المفروضة.

وقال مالك والشافعي وأحمد: فَرْضٌ لقوله تعالى: {إذا قُمْتُم إلى الصلاة فاغسِلُوا وجوهَكم} (١) ، فإنَّ غَسْلَ الوجه فيها مرتَّب على القيام بِالصلاة، فيجبُ الترتيبُ في الباقي، إذْ لا قائل بالفَصْل.

وأُجيبَ بأنه لا يتِمُّ هذا الاستدلالُ إلا إذا كانت الفاءُ الجزائيةُ تدُلُّ على تعقيب مضمون الجزاءِ مضمونَ الشرط من غير تراخٍ، وتدُلُّ على وجوبِ تقديمِ ما بعدَها على ما عُطِفَ عليه بالواو، وكلاهما ممنوع، لأنَّنا نقطع بأنْ لا دلالةَ في قوله تعالى: {إذا نُودِي للصلاوة من يوم الجمعة فاسعَوْا إلى ذكر اوذَرُوا البَيْع} (٢) ، على وجوبِ السعي عقيبَ النداء بلا تراخٍ، وعلى وجوبِ تقديم السعي على ترك البيع. فمعنى آيةِ الوضوء: فاغسِلُوا هذه الأعضاء، ولا دلالةَ فيه على ترتِيبها في الأداء، فهو على نظير قولك: إذا دخلتَ السوقَ فاشترِ لنا خُبزاً ولحماً، حيث كان المُفادُ إعقابَ الدخولِ بشراء ما ذُكِرَ كيف وَقَع. نعَمْ، لو استُدِلَّ بمواظَبِتِه عليه الصلاة والسلام ومداومتِهِ على مُراعاة الترتيب لكان أولَى كما لا يخفى.

(والوِلاءُ) بكسر الواو: المتابعةُ، وهو: أن يَغسِلَ العضوَ الثاني قبل جفافِ الأوَّل في زمَانِ اعتدالِ الهواء. وقيل: أنْ لا يَشتغل بينهما بعملٍ غيرِ ما يتعلَّقُ بالوضوء. وشَرَطه مالكٌ، والدَّلْكُ كذلك لمواظبةِ النبي صلى الله عليه وسلم

والجوابُ أنها تدلُّ على السُّنيَّة دون الفَرْضية، لأن الله تعالى أمَرَ بالغَسْل مطلقاً


(١) سورة المائدة، آية: (٦).
(٢) سورة الجمعة، آية: (٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>