للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا نَقْلُهَا إِلى قَرِيبِهِ أَوْ أَحْوَجَ مِنْ أَهْل بَلَدِهِ.

===

ولنا أَنَّ المَصْرِفَ مُطْلَقُ الفقراء لقوله تعالى: {إِنَّما الصَّدَقَاتُ للفُقَرَاءِ} (١) ولا ذِكْرَ للمكان فيه، فالتَقييدُ به يكون نسخاً، وحديث معاذ حجةٌ لنا، لأَنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك لأَهل اليمن، وهي بلادٌ شتى، على أَنَّ مراده صلى الله عليه وسلم أَنه لا طمع له في الصدقة، بل هي مصروفةٌ إِلى فقراء المسلمين، كما هي مأْخوذةٌ من أَغنيائهم. وإِنما يُكْره نقله لظاهرِ ما روينا، ولرعاية حق الجِوَار، والمعتبر في الزكاة فقراء مكانِ المال، لأَنه محل الوجوب، ولذا يسقط بهلاكه.

والأَفضل صَرْفُها إِلى إِخوته، ثُم أَعمامه، ثُم أَخواله، ثُم ذوي أَرحامه، ثُم جيرانِهِ، (ثُم أَهْل سَكَنِهِ) (٢) ، ثم أَهل محلّته، ثُم أَهل مصره.

وفي «المحيط»: وعند محمد يُعتبر في زكاة المال حيث المال، لا حيث المُزَكِّي، لأَن الواجب في المال لا في الذمة. وفي صدقة الفطر إِنْ كان يؤدي عن نفسه حيث هو، وإِن كان يؤدي عن ولده وعبده فعند أَبي يوسف يؤدي حيث العبد، وعند محمد حيث المَوْلَى وهو الأَصح، لأَن الواجب في ذِمَّة المَوْلى، حتى لو هلك العبد لم يسقط عنه.

(لا) يكره (نَقْلُهَا إِلى قَرِيبِهِ) لما فيه من الصلة مع الصدقة (٣) (أَوْ) إِلى قومٍ (أَحْوَجَ مِنْ أَهْل بَلَدِهِ) لما فيه من زيادة دفع الحاجة، ولما قَدَّمنا من قول معاذ لأَهل اليمن: «ائتوني بعرض ثياب خميس أَوْ لبيس مكان الذرة والشعير أَهون عليكم وخير لأَصحاب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة». إِلاَّ أَنه يجب حَمْله على أَنْ مَنْ بالمدينة كانوا أَحوجَ، أَوْ على ما فَضَل مِنْ فقراء اليمن. وكذا لا يكره النقل إِلى أَهل بلدٍ أَورع من أَهل بلده، أَوْ أَنْفَع للمسلمين منهم، والله سبحانه وتعالى أَعلم بالصواب.


(١) سورة التوبة، الآية: (٦٠).
(٢) سقط من المطبوعة.
(٣) الخَمِيس: الثوبُ الذي طولهُ خَمْسُ أذْرُع. النهاية: ٢/ ٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>