للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونُدِبَ دَفْعُ ما يُغْنِيهِ عَن السُّؤالِ يومًا، وكُرِهَ دَفْعُ النِّصابِ إِلى فقيرٍ غَيْرِ مَدْيُونٍ، ونَقْلُهَا إِلى بَلَدٍ آخَرَ،

===

تبين أَنه مَصْرفٌ يُجزئه، وذلك لأَن الواجبَ عليه الصَّرف إِلى مَنْ هو مَصْرفٌ عنده وقد فعله، فيجوز، كما إِذا صلى إِلى جهةٍ بالتحري ثُم تبين خطؤُه. وهذا لأَن الوقوف على هذه الأَشياء بالاجتهاد دون القطع، وقد لا يعرف الإِنسان ذلك من نفسه، فضلاً عن غيره والتكليف بحَسَبِ الوسع، بخلاف التحري في الثياب والأَواني، فإِنه يوقف على الطهارة والنجاسة فيهما. وعن أَبي حنيفة أَنه لا يجزيه في غير الغَنِي، والظاهر هو الأَول، ووجه الفرق على هذه الرواية أَنْ الغَني مَصْرِفٌ في الجملة كما في العامل.

(ونُدِبَ دَفْعُ ما يُغْنِيهِ) أَي يُغْنِي الفقير (عَنْ السُّؤالِ يوماً) لأَن في ذلك صيانةً له عن ذُلِّ السؤال، ولقوله: «اغْنُوهم عنِ المسأَلةِ في هذا اليوم».

(وكُرِهَ دَفْعُ النِّصابِ إِلى فقيرٍ غَيْرِ مَدْيُونٍ) وقال زفر: لا يجوز، لأَن الغِنَى حالَ العطاء حكمُ حال الأَداء، وحكم الشيء معه، فصار كما لو دفع إِلى غَنِيَ. ولنا أَنْ الأَداء يلاقي الفقير، لأَن المدفوع إِليه حال التمليك فقير، وإِنَّما يصيرُ غنياً بعد تمام التمليك، فَيَتَأْخَّر الغنى عن التمليك، وإِنما كره لوجود الانتفاع به حال الغِنى، والأَصل حصول الانتفاع به حال الفقر، لأَن المقصود سَدُّ خَلَّةِ (١) الفقير، وكماله في حصوله حالاً ومآلاً.

وههنا حصل حالاً وكُرِه لأَنه لم يحصل مآلاً. وعن أَبي يوسف أنه لم يُجزئه أَكثر من نصاب.

قَيَّدَ بغير المديون لأَن المديون لا بأْس به بأَن يُعْطى قَدْرَ وفاء دينه وزيادة دون النصاب، وكذا إِذا كان الفقير له عيالٌ لا بأس به بأَن يُعْطَى قدر ما لو فُرِّق عليهم حصل (٢) كل واحد منهم دون النصاب.

(و) كره (نَقْلُهَا) أَي نَقْل الزكاة (إِلى بَلَدٍ آخَرَ) غير البلد الذي فيه المال، لأَن فيه إِضاعة حق فقراءِ بلده، وهذا إِذا كان مسافة قَصْر الصلاة. وبه قال مالك، ومنعه الشافعي لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم لمعاذ: «فأَعْلِمْهُم أَنَّ الله تعالى افترض عليهم صدقةً في أَموالهم تؤخذ من أَغنيائهم وترد على فقرائهم» (٣) .


(١) تقدم شرحها ص: ٥٢٩، تعليق رقم (٣).
(٢) وفي المخطوطة: خصّ.
(٣) تقدم تخريجه ص: ٥٣٠، تعليق رقم (١).

<<  <  ج: ص:  >  >>