للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإِنْ دَفَعَ إِلى مَن ظَنَّهُ مَصْرِفًا فَظَهَرَ أَنه عَبْدُهُ، يُعِيدُها. وإِنْ ظَهَرَ مَوَانِعُ أُخَرُ لا.

===

وقال أَبو يوسف: لا يجوز صرْفُ الواجب إِلى الذِّمي، كما لا يجوز صرْفُ الزكاة إِليه.

ولهما ما روى ابنُ أَبي شيبةَ عن سعيد بن جُبَيْر مُرْسلاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تَصَدَّقُوا إِلاَّ عَلَى (١) أَهل دينكم، فأَنزل اللَّهُ تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُم} إِلى قوله {وما تُنفِقوا من خير يُوَفَّ إِليكم} (٢) فقال صلى الله عليه وسلم «تصدّقوا على أَهل الأَديان كُلِّها»، وهو بإِطلاقه يتناول الزكاة، لكن خرجت منه بحديث معاذ. ولقائل أَنْ يقول: آية الصدقة هي آية الزكاة وقد خُصَّتْ، وآية المبرّة (٣) والحديثُ، محمولان على التطوع، وهذه صدقة واجبة فكانت أَنسبَ بالزكاة. ثم لا يُبْنَى منها نحو مسجد، ولا يُكَفن بها ميت، فإِنَّ التمليك شرط.

(وإِنْ دَفَعَ) الزكاة (إِلى مَنْ ظَنَّهُ مَصْرِفاً) لها (فَظَهَرَ أَنَّه عَبْدُهُ) أَوْ مكاتَبُهُ (يُعِيدُها) أَي يُعْطي الزكاة مرةً أُخرى، لانعدام التمليك أَوْ تمامِه.

(وإِنْ ظَهَرَ مَوَانِعُ أُخَرُ لا) أَي لا يعطي الزكاة مرة أُخرى. وقال أَبو يوسف: يعيدها، لأَنه ظهر خطؤه بيقين مع إِمْكانِ الوقوف على الصواب، فصار كما لو توضّأ بماءٍ، أَوْ صَلَّى في ثوبٍ ثُم تبين أَنه نَجس.

ولهما ما روى البخاري من حديث مَعْن بن يزيد قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنا وأَبي وَجَدِّي، وخطب علي فأَنكحني وخاصمت إِليه، وكان أَبي يَزِيدُ أَخرج دنانيرَ يتصدق بها، فوضعها عند رجلٍ في المسجد، فجئت فأَخذتُها فأَتيتُه بها، فقال: واللهِ ما إِيَّاكَ أَرَدْتُ، فَخَاصَمْتُ إِلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لك ما نَوَيْتَ يا يزيدُ، ولك ما أَخَذْتَ يا معن». وهو وإِنْ كان واقعة حال، فيجوز فيه كونُ تلك الصدقةِ كانت نَفْلاً، لكن عموم لفظ «ما في» قوله عليه الصلاة والسلام: «لك ما نويت» يفيد المطلوب، ويؤيده ما في الصحيحين عن أَبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «قال رجلٌ لأَتصدَّقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يدِ غَنِيَ» … الحديثَ.

وقَيَّدَ بِمَنْ ظنه مَصْرِفاً، لأَنه لو دفع بغير اجتهادٍ، أَوْ باجتهاد وبدون ظَنَ، أَوْ بِظَنَ أَنه ليس بِمَصْرِفٍ، ثم تَبينَ المانع لا يجزئه. ولو دفع إِلى مَنْ يَظُنُّ أَنه ليس بِمَصْرِف ثُم


(١) سقط من المطبوع.
(٢) سورة البقرة، الآية: (٢٧٢).
(٣) حُرِّفت في المطبوع إلى: المبراة، والمثبت من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>