للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من السَّبِيلَينِ

===

تَخْرُج إلا بِبِلَّةٍ معها، وكذا العُودُ في الدُّبُر كالمِحْقَنةِ وغيرها.

(من السبيلين) أي من أحدهما، معتاداً كان أو غيرَ معتاد، كالدُّودِ والحَصَى، لقوله تعالى في التيمم الذي هو بدَلٌ عن الوضوء: {أو جاء أحدٌ منكم من الغائط} (١) ، وهو المكان المطمئنُّ والمنخفِضُ من الأرض. واستُعمِلَ في الحدَث مجازاً، لأنه في مثلِهِ يُقْضَى مُستَتِراً (٢) .

وقال مالك: لا يَنْقُضُ الدُّودُ، والحصاةُ، والاستحاضة، ونحوُها من سَلَسِ بولٍ، وانطلاقِ بطنٍ، أو انفلاتِ ريح، لأنَّ الله تعالى كنَّى بالغائط عن الحاجة، وهي المعتادة.

ولنا ما صحَّ مِنْ قولِه عليه الصلاة والسلام: «المُستحاضَةُ تتوضَّأ لوقتِ كلِّ صلاة» (٣) .

فإنْ قيل: الريحُ الخارجةُ مِنْ قُبُلِ المرأة وذَكَرِ الرجل خارجةٌ من أحدِ السبيلين، وليسَتْ بناقضة؟ أُجِيبَ بأنَّ ذلك اختلاجٌ أي انجذابٌ وتحرُّك، وليسَتْ بريحٍ خارجة، ولو سُلِّمَ، فليستْ بمنبعثة عن محلِّ النجاسة، ولهذا لا تَخْرجُ مُنتِنة، فصارت كالجُشَاء، إلاّ أنَّ المرأة إذا كانت مُفْضاةً (٤) يُستحبُّ لها الوضوءُ، لاحتمال خروجها منِ دُبُرِها، على أنه رُوِي عن محمد: أنَّ الريح الخارجة مِنْ قُبُلِ المرأَة حدَثٌ، قياساً على دُبُرها.

وأمَّا ما ذكره صاحبُ «الهداية»: أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما الحدَثُ؟ قال: ما يَخْرُج من السبيلين. فلا أعرِفُ له أصلاً. نعَمْ، روى الدارقطني عن ابن عباس مرفوعاً: «الوضوءُ مما خرج وليس مما دخل»، إلا أنَّ في شعبة ـ مولى ابنِ عباس الراوي ـ اختلافاً في توثيقه وتضعيفه (٥) ، والأصحُّ أنه موقوف على ابن عباس كما ذكره سعيد بن منصور. وقال البيهقي: ورُوِي أيضاً عن عليَ مِنْ قولِه.

فإن قيل: الحدَثُ شَرْط الوضوء، فلا يكون ناقضاً له. أُجِيبَ بأنه ناقِضٌ لِمَا كان، وشَرْطٌ لِمَا يكون.


(١) سورة النساء، آية: (٤٣).
(٢) عبارة المخطوطة: "لأنه يقضي في مثله تسترًا".
(٣) أخرجه الطبراني في "الأوسط"
(٤) المُفضاة: المرأة التي صار مسلكاها واحدًا، يعني مسلك البول ومسلك الغائط، "المغرب في ترتيب المعرب": ٢/ ١٤٣.
(٥) عبارة المخطوطة: "إلا أن شعبة مولى ابن عباس الراوي اختلف في … ".

<<  <  ج: ص:  >  >>