للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَو غيرِه إِن كان نَجَسًا

===

ثم الأصحُّ مِنْ مذهبِ الشافعي أنَّ المنيَّ لا يَنْقُض الوضوء، وإنْ أوجَبَ الغُسلَ لقول ابن عباسٍ: المنيُّ كالمُخاط، فأمِطْه عنك ولو بإذْخِرة (١) . ولأنه أصلُ خِلقةِ الآدمِي، فكان طاهراً كالتُراب، لاستحالة أن يقال: خُلِقَ الأنبياءُ من شيءٍ نَجِس.

ولنا قوله عليه الصلاة والسلام لعمَّار بن ياسر: «إنما يُغْسَل الثوبُ من خمسةٍ: البولِ، والغائطِ، والخمرِ، والمنيِّ، والدَّمِ». وكونُه أصلَ الخِلقة لا يُنافي النجاسة كالمُضْغَة والعَلَقة. وابنُ عباس شبَّهه بالمُخاط في النظرِ لا في الحُكم، وأمْرُهُ بالإِماطةِ للتمكُّن من غَسله، إذْ قبلَها يَشِيع إذا أصابه الماء.

فروع

ومن الفروع: أنَّ المرأة إذا خَرَج الأقلُّ مِنْ وَلَدِها لم تصر نُفَساء، ويجبُ عليها الصلاةُ حينئذٍ، وإن لم تُصَلِّ صارَتْ عاصية، كذا في «الخلاصة». وفيه إشكال حيث يَدلُّ على أنَّ خروجَ بعض الولد ليس بناقض للوضوء، ودُفِعَ بأنَّ خروجَ بعض الولد في حقِّها كخروج البول في حقّ مَنْ به سَلَسُ البول، فكما أن خروجَ البول في حقِّه اعتُبِرَ عَدَماً في الوقت للضرورة، كذا خروجُ بعض الولد في حقِّها. انتهى. وفي تنظيرِهِ نظر لا يخفى، والظاهرُ نقضُ وضوئها، فتتوضَّأ وتُصلِّي في آخِرِ الوقت.

(أو غيرِه) أي من غيرِ أحدِ السبيلين، أو مِنْ غيرِ المذكور. والمرادُ من الخروج أعمُّ من أن يكون بنفسه أو بالإِخراج، ليُلائم الخروجَ المذكورَ في المعطوف عليه، فإنه كذلك. فعلى هذا: لو عُصِر جُرحٌ وخَرَج منه شيء، وهو بحيث لو لم يُعْصَر لا يَخْرج، يَنْقُض (٢) الوضوءَ، لأنه مُخْرَج لا خارج بنفسه.

(إِنْ كان نَجَساً) بفتح الجيم، أي عينَ نجاسة، كدمٍ، وقيحٍ، وصديد، فلا يَنْقُض نحوُ المُخاطِ، والدمعِ، والبُزاقِ، واللُّعابِ، والعَرَقِ. وكذا العِرْقُ المَدَني (٣) الذي يقال له بالفارسية: رِشْتَهْ، فهو بمنزلة الدُّودِ الخارجِ حيث لا يَنْقُض الوضوءَ، لأنهما طاهِرانِ. وإن كان العِرْقُ المَدَني يَسِيلُ منه الماءُ يَنْقُض كذا في «الظهيرية». ولو دَخَل الماءُ في أُذُنه وخَرَج، ففي «الخلاصة»: أنه لا يَنْقض. وفي «المحيط»: خروجُ القيح من الأذُن مع


(١) الإذخر: حشيشة طيبة الرائحة. النهاية ١/ ٣٣.
(٢) في المخطوطة: "ينتقض".
(٣) العِرْق المدني: نُسِب إلى المدينة لكثرته بها وهي بَثْرَة - نُفَّاخة مملوءة ماء - تظهر على سطح الجلد تتفجر عن عرق يخرج كالدودة شيئًا فشيئًا. حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>