الحِنطة، جعل عمر نِصْفَ صاعِ حِنْطَةٍ مكانَ صاعٍ من تلك الأَشياء.
وفي الطحاوي عن عمر أَنه قال لنافع:«إِنَّما زكاتك على سيدك: أَنْ يؤديَ عنك عند كل فِطْرٍ صاعاً مِنْ تَمْرٍ، أَوْ شعيرٍ، أَوْ نِصْفَ صاعٍ مِنْ بُرَ». وعن عثمانَ أَيضاً أَنه قال في خطبته:«أَدُّوا زكاة الفِطْر، مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَة». وعن علِيَ أَنه قال:«على مَنْ جَرَتْ عليه نَفَقَتُكَ نِصْفُ صاعٍ مِنْ بُرَ، أَوْ صاعٍ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ».
وفي «مصنف عبد الرزاق» نحوه عن ابن مسعود وابن عباس وجابر بن عبد الله، وفيه أَيضاً عن مَعْمَر، عن الزُّهْرِي، عن عبد الرحمن، عن أَبي هريرة قال:«زكاةُ الفِطْر عن كُلِّ حُرَ وعَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، صغيرٍ أَوْ كبيرٍ، فَقِيرٍ أَوْ غَنِيَ صاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ. قال مَعْمَرُ: بلغني أَنَّ الزُّهْرِيَّ كان يرفعه إِلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وفيه أَيضاً عن مجاهد: كُلُّ شيءٍ سوى الحِنْطة ففيه صاعٌ.
وروى الطحاوي عن جماعةٍ كثيرةٍ وقال: ما عَلِمْنَا أَحَداً من الصحابةِ والتابعين رُوِى عنه خلاف ذلك، وكان إِخراج أَبي سعيدٍ ظاهراً، فلم يحترز عنه. والجواب عن حديثه: أَنَّا لا نُسلِّم أَنَّ الطعام في العُرْف يُعَبَّر به عن الحِنْطة، بل يطلق على كلِّ مأْكولٍ، وههنا أُريدَ به أَشياء ليست الحنطة منها، بدليل ما في «مختصر صحيح ابن خُزَيمة» عن ابن عمر قال: «لم تكنِ الصدقةُ على عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إِلاَّ التَّمْرَ، والزبيبَ، والشَّعِير، ولم تكن الحنطة.
وما في البخاري عن أبي سعيد نفسِه: كنا نُخْرجُ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفِطر صاعاً من طعام، وكان طعامُنا يومئذٍ الشعيرَ، والزبيبَ، والأَقِط (١) ، والتمرَ». فلو كانت الحِنطة من طعامهم الذي يخرج منه لبادَرَ إِلى ذِكْرِهِ قبل الكل، لكونه صريحاً في خلاف معاويةَ. وعلى هذا يلزم أَنْ يكون المُرادُ من الطعام في الحديث الأَول الأَعم، لا الحنطةَ بخصوصها، فيكونُ الأَقِط وما بعده فيه مِنْ عَطْف الخاص على العام، بدليل هذا الصريح عنه، ويلزم أَنْ يكون المرادُ بقوله:«لا أَزال أُخْرِجه» إِلى آخره، لا أَزال أُخْرِجُ الصَّاعَ، أَي كنّا إِنَّما نُخْرِجُ مِمَّا ذكرت صاعاً، وحين كَثُر هذا القوتُ الآخَرُ فإِنَّما أُخْرِجَ منه ذلك القَدْر.
وحاصِلُهُ في التحقيق: أَنَّه لم يَرِدْ ذلك التقويم، بل إِنَّ الواجب صاعٌ، غير أَنه اتُّفِقَ أَنَّ ما منه الإِخْراجُ في زمن النبيِّ صلى الله عليه وسلم كانَ غَيْرَ الحِنْطَةِ، وإِنه لو وقع