للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكُرِهَ إنْ نَوَى واجبًا

===

وفي الكُتُب الستة عن أَبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم «لا تَقَدَّمُوا رمضان بصوم يوم أَوْ يومين إِلاَّ رَجُلٌ كان يصُومُ صَوْماً فَيَصُومُه». وفي لفظ أَبي داود: «إِلاَّ أَنْ يكون صوماً يَصُومُه رَجُلٌ فَلْيَصُمْ ذلك الصوم (١) ».

وفي «المحيط»: الصوم قبل رمضان بيوم أَوْ يومين مكروه، ولا يكره بثلاثة لهذا الحديث، يعني إِذا لم يكن قصده الاستقبال، والله تعالى أَعلم بالحال.

وأَما حديث عمار، وابن عباس فموقوف، فلا يُعَارِض حديث السَّرَر، والأَولى حمله على إِرادة صومه عن رمضان، وكأَنَّه فَهِم من التَّنَحِّي (٢) قَصْدَ ذلك، فلا تَعَارُضَ حينئذ أَصلاً. وعلى هذا التقدير لا يكره صومُ واجب آخر في يوم الشك، كما قال مالك والشافعي: لأَن المنهي عنه صوم رمضان. وهو غَيْرُ بَعِيدٍ من كلام «الكافي» وشارحي «الهداية»، حيث ذكروا أَنَّ المراد من التقدم التَّقَدُّم بصوم رمضان، قالوا: ومقتضاه أَنْ لا يُكْرَه واجبٌ آخر أَصلاً، وإِنما كُرِه لصورةِ النَّهْي في حديث العصيان، وحقيقة هذا الكلام على وجه يصح أَنْ يكون معناه أَنُ يُتْرَك صَوْمُه عن واجب آخر تورّعاً. هذا ملخص كلام بعض أَهل التحقيق والله ولي التوفيق.

وأَمَّا قول صاحب «الهداية»: لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يُصَامُ اليومُ الذي يُشَكُّ فيه أَنَّه من رمضان، إِلاَّ تَطَوُّعاً»، فَغَيْرُ معروف.

(وكُرِهَ) الصومُ تنزيهاً (إِنْ نوى) يوم الشك (واجباً) سواء كان ذلك الواجب رمضان أَوْ غيره، لكنَّ كراهة رمضان أَشد من كراهة غيره، فإِنْ ظهر أَنَّ ذلك رمضان صح لوجود أَصل (٣) النية، وإِنْ ظهر أَنَّه من شعبان فإِنْ كان نوى رمضان يكون تطوعاً، وإِنْ أَفطر لا قضاء عليه، لأَنه ظانٌّ، وإِنْ كان نوى واجباً غير رمضان، قيل: يُكْرَهُ تطوعاً لأَنه منهيٌّ عنه فلا يتأَدَّى به الواجب، وقيل: يُجْزِئه عن الذي نواه وهو الأَصح.


(١) عبارة المخطوط: فليصم ذلك اليوم، والمثبت من المطبوع وهو الصواب لموافقته لما في سنن أبي داود ٢/ ٧٥٠ كتاب الصوم (١٤) باب فيمن يصل شعبان برمضان (١١)، رقم (٢٣٣٥).
(٢) التَّنَحِّي المارّ في حديث الشاة المَصْلِيَّة التي أتى بها عمار يوم الشك، فتنحَّى بعض القوم .... فكأن عمارًا فهم من هذا التنحي أنهم صائمون عن رمضان فقال لهم: من صام هذا اليوم أي بنية رمضان فقد عصى أبا القاسم.
(٣) ما بين الحاصرتين سقط من المطبوعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>