للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهِيَ بإِفسادِ أَداءِ رمَضَانَ لا غَيْرَ.

===

أَفْطَر في رمضانَ فَعَلَيْهِ ما على المُظَاهِر». رواه الدَّارَقُطْنِيّ بمعناه وقد تَقَدَّمَ. وهو قول الشافعي، وأَظْهَرُ الروايتين عن مالك، وأَحمد، لما روى الجماعة عن أَبي هريرة قال: جاء رجل إِلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: هَلَكْتُ يا رسول الله، قال: «وما أَهْلَكَكَ؟» قال: وَقَعْتُ على امرأَتي في رمضانَ وأَنَا صَائِمٌ، قال: «هَلْ تَجِدُ ما تَعْتِقُ رقبةً؟» قال: لا، قال: «فهل تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» قال: لا، قال: «فهل تَجِدُ ما تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِيناً؟» قال: لا، قال: «اجلس»، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فيه تمر، فقال: «تَصَدَّقْ بهذا»، قال: على أَفْقَر مِنَّا؟ فما بَيْنَ لَابَتَيْهَا (١) ـ يريد الحَرَّتَيْنِ (٢) ـ أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا، فضَحِكَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وفي رواية أَنْيَابُه ثُمَّ قال: «اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ». يعني والكفارة تبقى في ذِمَّتِهِ إِلى وقت الإِيسار.

والعَرَق: بفتحتين: المِكْتَل، وهو الزَّنْبّيِل (٣) العظيم الذي يَسَعُ ثلاثينَ صاعاً. وفي رواية: «وقَعْتُ على امرأَتي وأَنَا صَائِمٌ». وفي أُخْرَى: «وَطِئْتُ امرأَتي في رمضانَ نهاراً». وفي رواية أَبي داود، قال صلى الله عليه وسلم «صُم يوماً مكانه». وأَما قول صاحب «الهداية» في آخر الحديث: «يُجْزِئُكَ ولا يُجْزِاءُ أَحداً بعدك»، فغير معروف.

(وهِيَ) أَي الكَفَّارة في الصوم (بإِفسادِ أَداءِ رمَضَانَ لا غَيْرَ) أَي لا بإِفساد قضائه، ولا بإِفساد أَداء غيره، لأَنها لِهَتْكِ حُرْمَة رمضانَ، بخلاف الكفارة في الحج فإِنها لهتك حرمة العبادة، ولذلك تجب في الحج الفرض وغيره. وكَفَتْ عندنا كفارةٌ واحدة عن وطآت في أَيام لم يتخلل بينها تَكْفِير، ولَوْ كانت في رمضانين على الصحيح، وقيل: في رمضانَ واحد. وأَما إِنْ تَخَلَّلَ التكفير، فلا يكفي كفارة واحدة في ظاهر الرواية، لأَن التداخل قَبْلَ الأَداء لا بَعْدَه كما في الحدود. وأَوجب مالك والشافعي لكل يَوْمٍ كَفَّارَةٌ، لأَنَّ السَّبَبَ تَكَرَّرَ، فيتكرر حُكْمُه كما لو حَنِثَ في يَمِينَيْنِ. وهذا (٤) لأَن معنى العبادة راجح فيها حتى يتأَتّى بما هو عبادة، والتداخل في العقوبات المَحْضَة (٥) .

ولنا أَنها شُرِعَت لمعنى الزَّجر، وأَنَّه حاصل بالأَول، فلا يفيده الثاني (٦) ، لأَنَّه


(١) أي ما بين لابتي المدينة.
(٢) الحرَّة: هي الأرض ذات الحجارة السّود. النهاية: ١/ ٣٦٥.
(٣) الزَّنْبيلِ: القُفَّة. المعجم الوسيط، ص: ٣٨٨، مادة (زَبَل).
(٤) أي التداخل.
(٥) يعني أن التداخل لا يكون إلا في الحدود لكونها عقوبة زاجرة وليس فيها معنى التعبد، أما الكفارات فلا تتداخل لكون معنى العبادة فيها.
(٦) أي التكفير الثاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>