العبادة واللائقُ به الإِخفاء صيانةً للطاعة عن الرياء. وقد روى أَبو داود والترمذي عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعةَ، عن أَبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَسْتَاكُ وهو صَائمٌ ما لا أَعُدُّ ولا أُحْصِي. وكره مالك وأَبو يوسف الرَّطْبَ والمبلول منه، لأَنَّه تعريض للصوم على الإِفساد بسبب دخول الرطوبة.
ولنا إِطلاق ما روينا، ويشهد له ما رواه البَّيْهَقِيُّ عن إِبراهيم بن عبد الرحمن الخَوَارِزْمِي قال: سأَلْتُ عاصِماً الأَحْول: أَيَسْتَاكُ الصائِمُ بالسِّوَاك الرَّطْبِ؟ قال: نعم، أَتُرَاهُ أَشدَّ رطوبةً من الماء. قلت: أَوَّل النهار وآخِرَه؟ قال: نعم. قلت: عَمَّنْ رَحِمَك الله؟ قال: عن أَنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: تَفَرَّدَ به إِبراهيمُ الخَوَارِزْمِيّ. وقد حدَّث عن عاصم بالمناكير فلا يُحْتَجُّ به.
قيل: وتكره المضمضةُ في الصوم لغير الوضوء. وأَمَّا الاستنشاق والاغتسال أَوْ التلفف بثوب مُبْتَلَ للتبرّد فَمَكْرُوهٌ عند أَبي حنيفة لما في ذلك من إِظْهار التضجر في إِقامة العبادة، ولا يُكْرَهُ عند أَبي يوسف، وبه يُفْتَى، لأَنَّه صلى الله عليه وسلم صَبَّ على رأْسِهِ الماءَ وهو صائم من العطش ـ أَي مِنَ الحَرِّ ـ، رواه أَبو داود. وكان ابنُ عُمَرَ يَبُلُّ الثوبَ، ويَلُفُّهُ عليه وهو صائِمٌ. ولأَنَّ في هذه الأَشياء عَوْناً على العبادة، ودفعاً للتَّضَجُّر الطبيعي وَفْقَ العادة.
(ولا الكَحْلُ) ـ بفَتْحِ الكافِ ـ أَي الاكتحال، وبِضَمِّهَا أَي ولا يُكْرَهُ استِعْمَالُه للصَّائِم، لما روى ابنُ ماجه من حديث عائشة، أَنَّه صلى الله عليه وسلم اكتحل وهو صائم. وكذا رواه أَبو داود والدَّارَقُطْنِي. ولأَنَّ أَنَساً كان يَكْتَحِلُ وهو صَائِمٌ. متفق عليه.
ويُسْتَحَبُّ السَّحور، لِمَا رواه الجَمَاعَةُ إِلاَّ أَبا دَاودَ عن أَنس قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم «تَسَحَّرُوا فإِنَّ في السَّحُورِ بَرَكَة». وروى أَبو داودَ عن العِرْبَاضِ بن سَارِيَة قال: دعاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلى السَّحُورِ في رمضانَ فقال: «هَلُمَّ إِلى الغَدَاءِ المُبَارَكِ». وفي «سُنَنِ أَبي داود» عن عَمْرو بنِ العاصِ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إِنَّ فَصْلَ ما بين صِيَامِنَا وصِيَامِ أَهْلِ الكتاب أَكْلَةُ السَّحَرِ». قال «العَيْنِيّ»: رواه الجماعةُ إِلاَّ البُخَارِيَّ وابنَ ماجه. ويُرْوَى السَّحُور ـ بفتح السين ـ اسمُ ما يُؤْكَلُ وَقْتَ السَّحَرِ، وهو السُّدُسُ الأَخِيرُ من الليل.
ويُسْتَحَبُّ تأْخيره (١) لما في «معجم الطبراني»، عن أَبي الدَّرْدَاءِ مرفوعاً: «ثَلَاثٌ