للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمرأَةُ تَعْتَكِفُ في بَيْتِهَا.

ولَوْ نَذَرَ اعتكافَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ بِلَيَالِيهَا وِلاءً، وإِنْ لَمْ يَشْتَرِط

===

مَحْظُور الاعتكاف فَيَحْرُمُ دواعيه، كما في الظِّهَارِ والاسْتِبْراء والإِحْرَام، وإِنما لم تَحْرُمْ دواعي الوطاء في الصوم لأَنه يَكْثُرُ وجوده، فيؤدي مَنْعُهَا فيه إِلى الحرج، وأَمَّا الإِنزال من إِدامة نَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ فلم يُفْسِد عندنا وعند الشافعي، وقال مالك: تُبْطِلُه لأَن الإِنزال لِشَهْوةِ الفِكْرِ كالوِقَاع. ولنا أَنَّ الإِنزال منهما (١) بمنزلة الإِنزال في الاحتلام.

(والمرأَةُ تَعْتَكِفُ في بَيْتِهَا) أَي في المَوْضِع الذي أَعَدَّتْهُ للصلاة فيه، حتى لو لم يكن في بيتها موضع مُعَدٌّ للصلاة أَوْ كان، واعتكفت في موضع غَيْرِهِ من بيتها، لا اعتكاف لها. ولو اعتكفت في مسجدِ جماعةٍ جاز، ولكنَّ مَسْجِدَ بيتها أَفْضَلُ من مسجدِ حَيِّهَا، ومَسْجدُ حَيِّهَا أَفضل من مسجدِ جماعة غيرهِ. وقال مالك والشافعي في القول الجديد: لا يجوز اعتكاف المرأَة في مسجد بيتها، وأَلْحَقُوها بالرجال لإِطْلَاقِ: «لا اعتكافَ إِلاَّ في مسجدِ جماعةٍ» (٢) .

ولنا أَنَّ مسجد بيتها أَصْوَنُ لها وأَحْرَزُ لفضيلة الصلاة، قال صلى الله عليه وسلم «صلاة المرأَة في بيتها أَفضلُ من صلاة المرأَةِ في صَحن دَارِها، وصلاتُها في صَحنِ دارها أَفضل من صلاتها في المسجد» (٣) ، فإِذا أَعطى لبيتها حُكْمَ المسجد في حق الصلاة، فكذا في حق الاعتكاف بِمَكَانِ الصلاة.

(ولَوْ نَذَرَ اعتكافَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ) اعتكافُها (بِلَيَالِيهَا)، وكذا إِذا نَذَرَ اعتكاف ليالي، لَزِمَه اعتكافها بأَيَّامِها، لأَن ذِكْرَ الأَيام بلفظ الجَمْعِ يَدْخُل فيه لياليها، كما أَنَّ ذِكْر الليالي يَدْخُلُ فيه أَيَّامُهَا، قال تعالى: {ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزَاً} (٤) ، وقال: {ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيَّا} (٥) والقضية واحدة، وبه قال مالك وأَخرج الشافعي اللياليَ، لأَنَّ اسم الأَيام لا يتناول الليالي، وإِنَّما دخلت الليالي المتخللة في نَذْر الشهر للضرورة، فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا.

(وِلَاءً) أَي متتابِعَةً (وإِنْ لَمْ يَشْتَرِط) الوِلاءَ في ظاهر الرواية، وبه قال مالك، وأَطْلَقَهُ الشَّافِعِيُّ عند عدم التصريح به، وهو رواية عن أَبي حنيفة، وبها قال زفر. ولو نَذَرَ


(١) أي من إدامة النظر والفكر.
(٢) سنن أبي داود ٢/ ٨٣٦ - ٨٣٧، كتاب الصوم (١٤)، باب المعتكف يعود المريض (٨٠)، رقم (٢٤٧٣).
(٣) أخرجه أبو داود في سننه ١/ ٣٨٣، كتاب الصلاة (٢)، باب التشديد في ذلك (٥٣)، رقم (٥٧٠).
(٤) سورة آل عمران، الآية: (٤١).
(٥) سورة مريم، الآية: (١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>