للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

أَنْ يَظُنَّ فَوَاتَه إِنْ أَخَّرَه، لأَنَّ الحجَّ وقته العمر نَظَراً إِلى ظاهر الحال في بقاء الإِنسان، فكان كالصلاة في وقتها، فيجوز تأْخيره إِلى آخر العمر كما يجوز تأْخيرها إِلى آخر وقتها، إِلاَّ أَنَّ جواز تأْخيره مشروط عند محمد بأَنْ لا يفوت، حتى لو مات ولم يحج أَثِم، وعليه الإِجماع. ولأَبي يوسف أَنَّ الحج في وقت معين من السنة، والموت فيها ليس بنادر فيتضيق عليه الاحتياط لا لانقطاع التوسع بالكلية، فلو حَجَّ في العام الثاني كان مؤدياً باتفاقهما، ولو مات قبل العام الثاني كان آثماً باتفاقهما.

وثمرة الخلاف بينهما إِنَّما تظهر في حق تَفْسِيقِ المُؤَخِّر وَرَدِّ شهادتِهِ عند مَنْ يقول بالفور، وعدم ذلك عند مَنْ يقول بالتراخي. وفي «السِّرَاجِ الوهَّاج»: أَنَّ الخلاف فيما إِذا كان غالب ظَنِّه السلامة، وأَمَّا إِذا كان غالب ظَنِّه الموت بسبب مرض أَوْ هَرَم، فإِنه يتضيق عليه بالوجوب إِجماعاً، فلو مات يأْثم بتركه عن ذلك الوقت. ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَرادَ الحجَّ فَلْيَتَعَجَّل، فإِنه يَمْرَضُ المريضُ، وتَضِلُّ الضَالَّةُ، وتَعْرِض الحَاجَةُ». رواه أَحمد (١) ، وابن ماجه، والبيهقي.

وأَما ما استدل به الشافعي ومَنْ تَبِعَهُ من القول بالتراخي، أَنَّ الحج فُرِضَ في سنة خَمْس أَوْ سِت أَوْ تِسْع، وحجّ عليه الصلاة والسلام في سنة عشر، ولو كان على الفور لم يؤخر، فأُجيب عنه (٢) بأَنه صلى الله عليه وسلم قد عَلِمَ بالوَحْي أَنه يعيش إِلى أَنْ يؤديه ويُعَلِّمَ الناس مناسكهم تكميلاً للتبليغ، فكان آمِناً من فواته، أَوْ لأَنه كان لعذر من نزول الآية بعد فوات الوقت، أَوْ لِخَوْفٍ من المشركين على أَهل المدينة، أَوْ لغير ذلك مِنْ أَمر النبيّ صلى الله عليه وسلم واختلاط المشركين بالمؤمنين ونحوها من جواز الحج النفل للضرورة كما قلنا.

ومما يدل على أَنه فُرِض سنة خمس، ما رواه أَحمد في «مسنده» من طريق محمد ابن إِسحاق: حدّثني محمد بن الوليد بن نُوَيْفِع، عن كُرَيْب، عن ابن عباس قال: بَعَثَتْ بَنُو سَعْدِ بنِ بكر ضِمَامَ بنَ ثعلبةَ وافداً إِلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَر له فرائض الإِسلام: الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، بعد أَنْ ذَكَرَ التوحيد. قال: وقد رواه شُرَيك بن أَبي نَمِر عن كُرَيب فقال فيه: بَعَثَتْ بنو سعد ضِماماً في رجب سنة خمس. ومما يؤيد وجه الفورية حديث الحجاج بن عمرو الأَنصاري: «مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فقد


(١) واللفظ له.
(٢) سقط من المطبوعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>