للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشَدَّ الهِمْيَانِ في خَصْرِه. وأَكْثَرَ التَّلْبِيَةَ مَتَى صَلَّى أَوْ عَلَا شَرَفًا، أَو هَبَطَ وَادِيًا، أَوْ لَقِيَ رُكْبَانَاً، أَوْ أَسْحَرَ.

===

حَجَجْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الوداع فرأَيته في جمرة العقبة، وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأُسامة أَحدُهما يقود راحلته، والآخر رافع ثوبه على رأْس النبيِّ صلى الله عليه وسلم يظلّله عن الشمس. وفيه أَنه لا دلالة فيه صريح على أَنه كان في حال الإِحرام.

(و) لا (شَدَّ الهِمْيَانِ) ـ بكسر الهاء ـ ما توضع فيه الدراهم والدنانير سواء تحت الإِزار ـ كما هو العادة ـ أَوْ فوقه، لأَنه لم يرد حفظ الإِزار به، كما ذكره ابن الهُمَام. (في خَصْرِه) ـ بفتح أَوله ـ أَي على وسطه لقول عائشة: أَوْثِق عليك نفقتك بما شئت، حين سُئِلَت عنه. وكره مالك شَدَّهُ بما فيه من نفقة غيره، لعدم الضرورة.

ولنا أَنه ليس في معنى لُبْسِ المَخِيط فاستوت فيه الحالتان. فإِنْ قلت: لو لم يكن الشَّدُّ لُبْساً لما كُرِه شَدُّ الإِزار بحبل ونحوه، مع أَنه مكروهٌ إِجماعاً. قلت: ثَبَتَتْ كراهته بالحديث، وهو: أَنه صلى الله عليه وسلم رأَى رجلاً شَدَّ فوق إِزاره حبلاً فقال: «أَلْقِ ذلك الحَبْلَ» (١) . كذا في شرح «المجمع».

(وأَكْثَرَ التَّلْبِيَةَ) أَي جهراً، لقوله صلى الله عليه وسلم «أَتاني جبرائيلُ عليه السلامُ فأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي ومَنْ معي أَنْ يَرْفَعُوا أَصواتهم بالإِهلال ـ أَوْ قال: بالتلبية ـ. مُتَّفَقٌ عليه. ولما روى أَبو بكر الصديق: أَنه صلى الله عليه وسلم سُئِل: أَيُّ الحَجِّ أَفْضَل؟ قال: «العَجُّ والثَّجُّ». رواه الترمذي. والعج: رَفْعُ الصوتِ بالتلبية. والثج: إِسالة دم الهَدْي.

(مَتَى صَلَّى) المكتوبة وغيرها في ظاهر الرواية (أَوْ عَلَا شَرَفاً) أَي مكاناً عالياً (أَوْ هَبَطَ وَادِياً) أَي نَزَل مكاناً سُفْلِيَّاً (أَوْ لَقِيَ رُكْبَانَاً) وهو اسْمُ جَمْع، أَوْ جمع راكب، وتخصيص الركب اتفاقي (٢) إِذْ لو لقِيَ مشاةً لكانَ الأَمر كذلك.

(أَوْ أَسْحَرَ) أَي دَخَلَ في السَّحر: وهو سُدس آخر الليل، لما روى ابن أَبي شَيبة عن خَيْثَمَةَ قال: كان السلف يستحبون التلبية في ستة مواضع: في دبر الصلاة، وإِذا استقل الرَّجُلُ راحلته، وإِذا صعد شَرَفاً، وإِذا هَبَط وادياً، وإِذا لَقِيَ بعضُهم بعضاً، وبالأَسحار. وروى البيهقي عن ابن عمر: أَنه كان يُلَبِّي راكباً، ونازلاً، ومُضطجعاً. ورُوِي أَنه عليه الصلاة والسلام كان يُلَبِّي إِذا لَقِي رَكْباً، أَوْ صعِد أَكَمَةً (٣) ،


(١) لم نجده.
(٢) أي قيد اتفاقي خرج مخرج العادة، وليس قيدًا احترازيًا.
(٣) الأَكَمة: ما ارتفع من الأرض كالتلّ. معجم لغة الفقهاء ص: ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>