والأَدب أَنْ يُقصد الإِنسان من جهة وَجْهِهِ، فكذا تُقصد الكعبةُ من جهة بابِها. قيل: وإِن لم يكن في طريقه ينبغي أَنْ يميل إِليها في الحجِ والعمرة. وقيل: في العمرة يدخل من أَسفل مكةَ. ثُمَّ لا فَرْقَ بين الدخول ليلاً أَوْ نهاراً لما روى النَّسائي: أَنه عليه الصلاة والسلام دخل مكة ليلاً في عمرته، ونهاراً في حجته. وقيل: نهاراً أَفْضَل، وإِنَّما كَرِه ابنُ عمر الدخول بالليل للخوف من السُّرَّاق.
(بَدَأَ) بعد حفظ أَثقاله ليكون حاضر القلب مقام إِقباله (بالمَسْجِدِ) لما في الصحيحين من حديث عائشة: إِنَّ أَوَّل شيءٍ بدأَ بهِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حينَ قَدِمَ مكةَ: أَنْ توضأَ، ثُم طافَ بالبيت.
ويُستحب أَنْ يدخل المسجد من باب السلام، لأَنه صلى الله عليه وسلم دخل منه. ويُقَدِّمُ في دخوله رجلَه اليُمنى، ويقول: بسم الله، والحمد للَّهِ، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهمّ اغْفِر لي ذنوبي، وافتح لي أَبواب رحمتك.
(وحِينَ رَأَى البَيْتَ كَبَّرَ،) اللَّهَ، واسْتَحْضَرَ في قلبه عظمة تلك البُقعة (وهَلَّلَ) تجديداً للتوحيد (ودَعَا) لأَن الدعاء عند رؤيته مستجاب. وروى الشافعيُّ عن سعيد بن جُبَير، عن ابن جُرَيج: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إِذا رأَى البيت، رفع يَدَيْهِ وقال:«اللهم زِد هذا البيتَ تشريفاً وتَعْظيماً وتَكْرِيماً ومهابةً، وزِد مَنْ شَرَّفَهُ وكَرَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّه أَوْ اعتمرَهُ تَشْريفاً وتعظيماً وتكريماً وبِرَّاً». وعن عطاء أَنه صلى الله عليه وسلم كان إِذا لَقِي البيتَ يقول:«أَعوذ بِرَبِّ البيتِ مِنْ الكُفْرِ والفَقْرِ وضِيْقِ الصَّدْرِ وعذابِ القبر». ذكره ابن الهُمَام.
واسْتُحْسِن أَنْ يقول عند دخول المسجد: اللَّهُمَّ أَنت السلام، ومنك السلام، وإِليكَ يَرْجع السلام، حَيِّنَا رَبَّنا بالسلام، وأَدخلنا دارك دار السلام، تباركت رَبَّنا وتعاليت، يا ذا الجلال والإِكرام، لما روى البيهقي بسنده إِلى سعيد بن المُسَيَّب أَنه قال: سَمَعْت عن عمر كلمة، ما بقي أَحدٌ من الناس سَمِعَهَا غيري، سمعتُه يقول: إِذا رأَى البيت: اللهم أَنت السلامُ، إِلى آخره.
ثُم اعلم أَنْ أَول ما يَبْدأُ به داخلُ المسجد الحرام الطوافَ مُحْرِماً أَوْ غير مُحْرم دون الصلاة، إِلاَّ أَنْ يكون عليه فائتة أَوْ خوف فَوْت الوقتية، أَوْ الوتر، أَوْ سنة راتبة (١) ،
(١) الرَّاتِبة: أي المرافقة للفرائض، كسُنَّة الظهر القبلية وسنَّة الصبح ونحو ذلك معجم لغة الفقهاء ص: ٢١٧.