للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الحَجَرَ وكَبَّرَ وهَلَّلَ، ورَفَعَ يَدَيْهِ كالصلاةِ واسْتَلَمَهُ إِنْ قَدِرَ غَيْرَ مُؤذٍ لأَحَدٍ،

===

أَوْ فَوْت الجماعة، فَتُقَدّم الصلاة في هذه الصور على الطواف، فإِنْ لم يكن مُحْرماً فطوافهُ تحيةٌ لقولهم: تحيةُ هذا المسجد الطوافُ. وليس معناه أَنَّ مَنْ لم يَطُف لا يصلّي تحية المسجد كما فَهِم بعضُ العوام. فقد روى عُروةُ عن عائشةَ أَنَّ أَول شيءٍ بَدأَ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حينَ قَدِم مكةَ أَنْ توضأَ، ثُم طافَ بالبيتِ … الحديث، رواه الشيخان.

(ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الحَجَرَ) الأَسود لِمَا رُوي مِنْ: «أَنَّ الحجر يَمِينُ اللَّهِ في الأَرض يُصَافِحُ بها عبادَه». رواه الخَطِيب، وابن عَسَاكِر عن جابر. وفي رواية: «الحَجَرُ يمينُ اللَّهِ، فَمَنْ مسَحَهُ فَقَدْ بَايَعَ اللهَ». ولما في مُسْلم عن جابر قال: لَمَّا قَدِم النبيُّ صلى الله عليه وسلم مكةَ، بَدَأَ بالحجرِ فاسْتَلَمَه، ثُم مَضَى على يمينِه فَرَمَلَ ثلاثاً، ومَشَى أَرْبَعاً. وعن ابن عمر قال: استقبل النبيُّ صلى الله عليه وسلم الحجرَ، ثُم وَضع شَفَتَيْهِ عليه فبكى طويلاً، ثُمَّ الْتَفَتَ فإِذا هو بعمرَ بن الخطاب رَضِيَ الله عنه يَبكي، فقال: «يا عمر ههنا تُسْكَب العَبَرات». رواه ابن ماجه، قال الحاكم: صحيح الإِسناد. وهذا الاستقبال مع الاستلام أَوْ نحوه في ابتداء الطواف سنة مؤكدة، ومستحبةٌ في أَول كل شوط عندنا لا واجبٌ كما قيل.

(وكَبَّرَ) فيقول: باسمِ اللهِ واللهُ أَكبرُ، لما روى أَحمد، والبخاري عن ابن عباس: أَنه صلى الله عليه وسلم طافَ على بَعيرٍ، كُلَّمَا أَتى على الرُّكْنِ أَشَارَ إِليه بشيءٍ في يده، وكَبَّرَ.

(وهَلَّلَ، ورَفَعَ يَدَيْهِ) عند التكبير لافتتاح الطواف حِذَاءَ مَنْكِبيه أَوْ أُذُنَيْهِ مُسْتَقْبِلَ القبلة بباطن كفيه. (كالصلاةِ) أَي ناوياً به، لأَن الطواف كالصلاة على ما ورد.

(واسْتَلَمَهُ) أَي لَمَسَهُ باليد. والقُبْلَةُ من غير صوتٍ. وقيل: وضع كفيه على الحجر وقَبَّله، أَوْ مَسَحَه بالكف وقَبَّلهُ (إِنْ قَدَرَ غَيْرَ مُؤذٍ لأَحَدٍ) لأَنَّ تَرْكَ الأَذى واجبٌ، والاستلام سُنَّةٌ، ولما روى أَحمد والبيهقي عن عمر أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: «يا عمرُ، إِنَّك رجلٌ قويٌّ، لا تُزاحِم على الحجر فتؤذي الضَّعِيفَ، إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فاسْتَلِمْه، وإِلا فاسْتَقْبِلهُ، وكَبِّرْ وهَلِّل». وكذا رواه الشافعي، وإِسحاق بن رَاهُويَه، والطحاوي.

وهل يُستحب السجود على الحجر عَقيبَ التقبيل؟ قال قِوَام الدين الكَاكي: عندنا الأَوْلى أَنْ لا يسجد لعدم الرواية في المشاهير، لكن نَقَل عِزُّ الدين بن جَمَاعة في «مناسكه» السجودَ عن أَصحابنا. ويُؤَيِّدُه ما رُوِي عن ابن عباس: أَنه كان يُقَبِّلُه ويَسْجُدُ عليه بجبهته، وقال: رَأَيْتُ عُمَرَ رَضِيَ الله عنه قَبَّلَهُ، ثُم سجد عليه، ثم قالَ: رَأَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ذلك، فَفَعَلْته. رواه ابن المُنْذِر والحاكم وصَحَّحَه.

<<  <  ج: ص:  >  >>