للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإِلاَّ يَمَسُّ شَيْئًا في يَدِهِ وقَبَّلَهُ

===

وأَمَّا التقبيل فسنّةٌ مُؤَكَّدةٌ، لما في البخاري عن عمر: أَنه سُئِل عن اسْتِلامِ الحَجَرِ فقال: رأَيتُه صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُه ويُقَبِّلُه. وروى النَّسائي عن ابن عمر: أَنَّ عمر قَبَّله ثلاثاً. ولما في الكُتُبِ الستةِ عن عمرَ بن الخطاب: أَنَّه جاء إِلى الحجر فقَبَّله، وقال: إِني أَعلم أَنَّكَ حَجَرٌ لا تَضُرُّ ولا تَنْفَعُ، ولولا أَنِّي رَأَيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ لما قَبَّلْتُكَ. ورواه الحاكم وزاد فيه: فقال عليٌّ: يا أَمير المؤمنين يضر وينفع، ولو عَلِمتَ تأْويلَ ذلك من كتابِ الله لَعَلَمْتَ أَنه كما أَقول، قال الله تعالى: {وإِذ أَخَذَ رَبُّك مِنْ بَنِي آدَم} (١) الآيةَ، فلما أَقَرُّوا أَنَّه الرَّبُّ عز وجل، وأَنهم العبيدُ، كَتَبَ ميثاقَهُم في رَقَ ـ أَي في جلد رقيق ـ وأَلْقَمَهُ في الحجر، وأَنَّه يُبْعَثُ (٢) يوم القيامة وله عينانِ ولسانٌ وشفتانِ، ويَشْهَدُ لِمَنْ وَافاه بالموافةِ، فهو أَمِينُ اللَّهِ في هذا الكتاب، فقال له عمرُ: لا أَبقاني اللَّهُ بأَرضٍ لَسْتَ فيها يا أَبا الحسن. وفي رواية: أَعوذُ بالله مِنْ أَنْ أَعيش في قوم لَسْتَ منهم. وقال الحاكم: ليس هذا الحديث على شرط الشيخين، فإِنَّهما لم يَحْتَجَّا بأَبي هارونَ العَبْدِي.

وقال ابن الهُمَام: ومن غرائب المتون ما في «مصنف ابن أَبي شيبة» في آخر مُسْند أَبي بكر عن رجلٍ رَأَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وقف عند الحجر فقال: إِنِّي لأَعلَمُ أَنك حَجَرٌ لا تَضُرُّ ولا تَنْفع، ثُم قَبَّله، ثُم حَجَّ أَبو بكر فوقف عنده فقال: إِنِّي لأَعلمُ أَنك حجرٌ لا تضر ولا تنفع، ولولا أَني رأَيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ ما قَبَّلْتك. فإِنْ صَحَّ، يُحْكَم بِبُطْلان حديث الحاكم لِبُعْد أَنْ يَصْدُر عن عليَ كرّم اللهُ وجهه قوله: «بل يَضُرُّ ويَنْفَع»، بعدما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم «لا يَضُرُّ ولا يَنفع»، لأَنه صورة معارضة.

لا جَرَم أَنَّ الذهبي قال عن العبدي: إِنه سَاقِطٌ. وعمر إِنما قال ذلك أَوْ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إِزالةً لِوَهْم الجاهلية من اعتقاد الحجارة التي هي الأَصنام. قال البِرْماوي: وما وَرَدَ مِمَّا يَقْتَضِي النفع والضر ما جعلَ اللهُ في الحجر من الخير والشر، فليس لذات الحجر.

(وإِلاَّ) أَي وإِن لم يَقْدِر على استلام الحجر، أَوْ قَدَرَ عليه لكن يؤدي إِلى الضرر. (يَمَسُّ شَيْئاً في يَدِهِ) من نحو عصا وغيره (وقَبَّلَهُ) لما روى الجماعة إِلاَّ الترمذيَّ عن ابن عباس أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمِحْجَن معه ـ وهو، بكسر الميم وفتح الجيم: عُودٌ معوج الرأْس ـ.


(١) سورة الأعراف، الآية: (١٧٢).
(٢) في المطبوعة: يبعثه، وما أثبتناه من المخطوطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>