وإِنْ عَجَزَ اسْتقْبَلَهُ وكَبَّرَ وهَلَّلَ وحَمِدَ اللهَ وصَلَّى على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -،
===
قيل: إِنما طاف عليه الصلاة والسلام وهو راكبٌ لِبَيان الجواز، والأَصح أَنه لِيراه الناسُ ويأْخذوا عنه، وقد جاء ذلك في «صحيح مسلم» من حديث جابر.
وقيل: كراهية أَنْ يصرف الناس عنه، لما في مسلم عن عائشة قالت: طافَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالبيتِ في حجةِ الوداع على راحلته يستلم الركن، كراهيةَ أَنْ يصرف عنه الناس. وَرُدَّ هذا القيل باحتمال عود الضمير على الركن، ويدفع بأَن مآله إِلى ذلك القيل. وقال ابن الهُمَام: أَي لو طاف ماشياً لانصرفَ الناسُ عنه، لأَن كل مَنْ رام الوصول إِليه لسؤالٍ، أَوْ لرُؤيةٍ لاقتداءٍ لا يَقْدِرُ، لكثرةِ الخَلْقِ حَوْلَه، فينصرف من غير تحصيل حاجة.
وقيل: كان به شكاية ـ أَي وجع ـ لما روى محمد في «الآثار» عن أَبي حنيفة عن حَمَّاد: أَنَّه سعى بين الصفا والمروةِ، مع عِكْرِمَةَ فجعل حَمَّادُ يصعد على الصفا والمروة وعِكْرِمة لا يصعد (ويصعد حمّاد المروة، ولا يصعده عِكْرَمة)(١) ، فقال حَمَّادُ: يا أَبا عبد الله أَلا تصعد الصفا والمروة؟ فقال: هكذا كان طوافُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حماد: فلقيتُ سعيدَ بنَ جُبَير، فذكرتُ له ذلك، فقال: إِنما طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته ـ وهو شاكٍ ـ يستلم الرُّكْنَ بِمِحْجَن، فطاف بالصفا والمروة على راحلته، فمن أَجْل ذلك لم يصعد.
قلت: وهذا القول أَظهر لأَنَّ المَشْيَ في الطواف والسعي واجبان، فلا يُتْرَكان إِلاَّ لِعُذْرٍ ظاهرٍ.
ثُمَّ ههنا إِشْكَالٌ حَدِيثِي وهو: أَنَّ الثابت بلا شبهةٍ أَنه صلى الله عليه وسلم رَمَلَ في حجَّة الوداع، وهذا يُنَافِي طوافه راكباً، والجواب: أَنَّ في الحج للآفاقي أَطوفة، والرُّكُوب كان في طواف الزيارة يوم النَّحْر، ومشيه كان في طواف القدوم.
هذا، وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: لم أَرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَمَسُّ مِنْ الأَركان إِلاَّ اليَمَانِيَيْن.