للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عِنْدَ المَقَامِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ المَسْجِدِ،

===

(عِنْدَ المَقَامِ) أَي مقام إِبراهيم عليه السلام: وهو الحجر الذي عليه أَثَرُ قدَمَيه لقوله تعالى: {واتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبراهيمَ مُصَلَّى} (١) في قراءة الجمهور بكسر الخاء، والأَمر للوجوب، وقد واظب عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم من غير تَرْكٍ أَصلاً. وقال السُّدِّي وقَتَادةُ: أُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا عند المقام، (أَي) ركعتي الطَّواف.

وروى أَحمد ومسلم أَنه صلى الله عليه وسلم لما انتهى إِلى المقام قرأَ: {واتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبراهِيمَ مُصَلَّى}، فَصَلَّى ركعتين وقرأَ فاتحة الكتاب، و {قُلْ يا أَيُّها الكافرون} و {قل هو اللهُ أَحَد}، ثُمَّ عاد إِلى الرُّكْنِ فاستلَمَه، ثم خرج إِلى الصَّفَا. ورَوَى الترمذي من حديث أَنس أَنَّ عمرَ رَضِيَ الله عنه قال: يا رسولَ الله لو صَلَّينا خَلْفَ المقام ـ يعني ركعتي الطواف ـ فأَنْزَلَ اللهاُ تعالى: {واتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبراهِيمَ مُصَلَّى}، فَعَلَى صيغةِ الأَمر ظاهرٌ، وكذا على صيغةِ الخبر، فتدبر. وعن ابن عمر رَضِيَ الله عنهما: إِذا أَراد أَنْ يركعَ خَلْفَ المقام جَعَلَ بينه وبين المقام صَفَّاً أَوْ صَفَّيْنِ، أَوْ رَجُلاً أَوْ رَجُلَيْنِ. رواه عبدُ الرَّزَّاق.

(أَوْ غَيْرِهِ مِنَ المَسْجِدِ) إِنْ لم تُيَسَّر له الصلاة عند المقامِ. والحاصل: أَنَّ أَفضل الأَماكن لأَداءِ صلاة الطواف خلف المقام، وهو ما يصدق عليه ذلك عادةً وعُرْفاً، ثُم في الكعبة، ثُم في الحِجْر تحت المِيزَاب، ثُم كُلَّمَا قَرُبَ مِنْ البيت، ثُم سائر المسجد، ثُم الحَرَم، ثُم جاز في غَيْرِه.

ولا يُكْرَه الطواف في الأَوقات التي تُكْرَه فيها الصلاة، بخلاف صلاة الطواف فإِنها مكروهةٌ فيها عندنا لما روى الطحاوي عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: طافَ عمرُ بالبيتِ بعد الصُّبْح فلم يَرْكَع، فلما صار بذِي طُوَىً، وطلعت الشمس صلَّى ركعتين. فَلَوْ جَمَع بين الأَطْوِفَة في الأَوقات المكروهة يُصلي بعد الجميع ركعتين لِكُلِّ طواف لما رُوِي أَنَّ عائشة طَافَتْ ثلاثةَ أَسابيع (٢) ، ثُمَّ صَلَّتْ لكل أُسبوعٍ ركعتين. ويَستوي فيه أَنْ يَنْصَرف عن وترٍ أَوْ شَفْعٍ اتفاقاً.

وأَمَّا في غيرِ الأَوقاتِ المكروهةِ فلا يَكْرَهُ أَبو يوسف وَصْلَ الأَسابيع في الطواف إِذا صلى عن وِتْر، كثلاثةٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ سبعةٍ. وفيها (٣) أَثَرُ عائشةَ: لا بأْس بذلك إِذا


(١) سورة البقرة، الآية: (١٢٥).
(٢) تقدم شرحها ص: ٦٤٧، تعليق رقم (٥).
(٣) في المخطوطة: وفيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>