للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ سَكَنَ بِمَكَّةَ مَحْرِمًا

===

وفي أَبي داود: «نبدأُ». وفي النَّسائي، والدَّارَقُطْنِيّ: «ابدؤوا» ـ بصيغة الأَمر ـ، فبدأَ بالصَّفَا فَرَقِيَ عليها حتى رأَى البيت، فاستقبل القِبلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وكبَّره. وقال: «لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شريكَ له، له الملكُ وله الحَمْدُ وهو على كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، لا إِله إِلاَّ اللهُ وَحْدَه، أَنْجَزَ وعده، ونصر عبده، وهزم الأَحزاب وحده»، ثُم دعا بين ذلك فقال مثل هذا ثلاث مرات، ثُمّ نزل إِلى المروة حتى إِذا انصبَّتْ قَدَمَاه في بطن الوادي رَمَلَ، حتى إِذا كان آخر الطواف على المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا، قال: «لو استقبلت مِنْ أَمري ما استدبرت لم أَسُقِ الهَدْيَ وجَعَلْتُهَا عمرةً، فَمَنْ كان مِنْكُم ليس معه هَدْي فليُحِلَّ وليجعلها عُمْرَةً … » الحديثَ.

وفي روايةٍ لِمُسْلِم، وأَبي داود عن أَبي هريرةَ أَنَّه صلى الله عليه وسلم لَمَّا فَرَغَ من طوافِهِ أَتى الصفا، فَعَلَا عليها حتى رأَى البيتَ ورَفَعَ يَدَهُ، فجعل يَحْمَدُ اللهَ تعالى ويدعو ما شاء أَنْ يدعو. ويُسْتَحَبُّ إِذا فَرَغَ من السَّعْي أَنْ يدخل المسجد فيصلّي ركعتين، فإِنه صلى الله عليه وسلم صلّى ركعتين في ـ قيل ـ حاشية المطاف حَذْوَ الرُّكْنِ الأَسود، وقيل: فيما يلي باب العُمْرَة، ذكره ابن الهُمَام.

(ثُمَّ سَكَنَ بِمَكَّةَ مُحْرِماً) مِنْ غَيْرِ تَحَلُّل، لأَنه مُحْرِمٌ بالحج فلا يتحلل منه حتى يأْتي بِأَفعاله.

وقال ابن عباس: لهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ ويفسخَ الحجَّ إِلى عُمْرَةٍ لما روينا. وأُجيب بأَن ذلك كان مختصاً بأَصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم لِمَا في مسلم وغيره عن أَبي ذرّ أَنه قال: (المتعة كانت) (١) لأَصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً. ولا يعارضه حديث (٢) سُرَاقَةَ حيث قال: أَلِعَامِنَا هذا أَمْ للأَبد؟ فقال: «للأَبَدِ». لأَن المراد «أَلِعَامِنَا» فِعْلُ العُمْرَةِ في أَشهر الحج أَمْ للأَبد؟ لا أَنَّ المراد فسخ الحج إِلى العمرة، وذلك لأَن سبب الأَمْر بالفسخ ما كان إِلاَّ تقريراً لِشَرْعِ العُمْرةِ في أَشهر الحج ما لم يكن مانِعُ سَوْقِ الهَدْي، وذلك أَنَّه كان مُسْتَعْظَماً عندهم، حتى كانوا يَعُدُّونَهَا في أَشهر الحج من أَفْجَرِ الفجور، فكَسَرَ سَوْرَةَ (٣) ما استحكم في نفوسهم من الجاهلية من إِنكاره، بِحَمْلِهِم عَلَى فِعْلِهِ بأَنفسهم.


(١) ما بين الحاصرتين سقط من المطبوعة.
(٢) صحيح البخاري (فتح الباري) ٣/ ٦٠٦، كتاب العمرة (٢٦)، باب عمرة التَّنْعيم (٦)، رقم (١٧٨٥).
(٣) سورة الغضب: وُثُوبُه. مختار الصحاح ص ١٣٥، مادة (سور).

<<  <  ج: ص:  >  >>