للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإِذا نَفَرَ إلى مكَّةَ نَزَلَ بالمُحصَّبِ

===

وهو قول الشافعي: ليس له النَّفْرُ بَعْدَ غروب الشَّمْسِ من اليوم الثالث، لأَن النَّفْرَ في اليوم لا في الليل لقوله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ في يَوْمَينِ فلا إِثْمَ عَلَيْهِ}، ولو رَمَى في اليومِ الرَّابعِ قَبْلَ الزَّوال، صَحَّ عند أَبي حنيفةَ مع الكراهةِ، لأَنه خالف السُّنَّةَ، وقالا: لا يصح اعتباراً باليومِ الثاني والثالث، وعليه الجمهور من السَّلَف والخَلَف.

ولأَبي حنيفة قول ابن عباس: إِذا انتفخ النهار مِنْ يومِ النَّفْرِ، فَقَد حَلَّ الرَّمْيُ، والصَّدَرُ. والانتفاخ: الارتفاع. لكنَّ في سنده طلحةَ بن عَمْرو: ضَعَّفَهُ البيهقيُّ، على أَنه إِنْ صَحَّ ليس بِنَصَ في المُدَّعَى كما لا يخفى. وفي قَاضِيخَان: قال أَبو حنيفة ومحمد: الرَّمْيُ كُلُّهُ رَاكِباً أَفْضَلُ. انتهى. لأَنه رُوِي رُكُوبُه صلى الله عليه وسلم فيه كُلِّه. وفي «الظهيرية»: يُسْتَحب المَشْي إِلى الجمار، وإِنْ رَكِبَ إِلَيْهَا فلا بأْسَ به. والمَشْيُ أَفضلُ. فكأَنَّهُ حَمَلَ فِعْلَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم على عُذْرٍ تقدم في الطوافِ والسَّعْي.

ثُم تَرْتِيبُ الرَّمْي كما ذكرنا، والمَبِيتُ (١) بِمِنىً في ليالي الرَّمْي سُنَّتانِ عندنا، لا واجبان كما قال مالك والشافعيُّ. لهما أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَتَّبَ الرَّمْي وبات بمنى في لياليه، وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم» (٢) . وروى ابن أَبي شيبةَ عن عمر: أَنَّه كان يَنْهَى أَنْ يَبِيتَ أَحَدٌ من وراء العَقَبة، وكان يَأْمُرُهُم أَنْ يدخلوا مِنى. وعن ابن عباس نحوه، وعن ابن عمر: أَنَّه كَرِهَ أَنْ يَنامَ أَحدٌ أَيَّامَ مِنىً بِمَكَّةَ.

ولنا أَنَّ ابن عباس استأْذَنَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في البيتوتةِ بمكةَ في ليالي الرَّمْي للسِّقَايَةِ، فأَذِنَ له في ذلك. ولو كان واجباً لَمَا رَخَّصَ له تَرْكَها للسقاية، كذا قالوه. وفيه أَنَّ تَرْكَ الواجب بِعُذْرٍ مُسْقِطٌ للدم اتفاقاً، وقد سَبَقَ الإِذن للضعفة في ترك الوقوف بمزدلفة، على أَنه يَحْتَمِلُ الخصوصيةَ لأَهل السقاية، فافهم. والله تعالى أَعلم.

وكُرِهَ تقديمُ الثَقَل ـ وهو بفتحتين: متاعُ المسافر وحشمه ـ زَمَنَ الإِقَامَةِ بمنى للرمي، لما في «مصنف ابن أَبي شيبةَ» عن عُمَارَة: قال عمرُ: مَنْ قَدَّمَ ثَقَلَهُ مِنْ مِنىً ليلةَ النَّفْرِ فلا حج له. وعن ابن شُرَحْبِيل، عن عمر قال: مَنْ قَدَّم ثَقَلَهُ قَبْلَ النَّفْرِ فلا حَجَّ لَهُ. أَي لا كَمَالَ لِحَجِّه، لأَنه يشتغلُ به قَلْبُه، ورُبَّمَا يَمْنَعُه عن إِتْمَامِ الرَّمْي.

(وإِذَا نَفَرَ) مِنْ مِنَى (إِلى مَكَّةَ نَزَلَ بالمُحَصَّبِ) ـ بتشديد الصاد المهملة المفتوحة ـ ويقالُ له: الأَبطح، والبطحاء، والخَيْف، والبطحا، وهو ما بين الجبل الذي


(١) في المطبوعة: التبييت، وما أثبتناه من المخطوطة.
(٢) تقدم تخريجه ص: ٦١٢، تعليق رقم (٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>