للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وجدتُ الحجَّ والعمرةَ مَكْتُوبَينِ عليَّ، فكيف لي بأَنْ أَجمع بينهما؟ فقال: اجْمَعْهُمَا واذبح ما تيسر مِنْ الهَدْي، فأَهْلَلْتُ بهما، فلما أَتيتُ العُذَيْب لقيني سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان وأَنا أَهل بهما معاً، فقال أَحدُهما للآخَر: ما هذا بأَفْقَهَ مِنْ بعيرهِ. ـ وفي روايةٍ: لِهَذا أَضَلُّ مِنْ بَعِير أَهله ـ قال: فكأَنما حمل عليَّ بِكَلِمَتِهما جبل، فَقَدِمتُ على عمرَ بن الخطاب فأَخْبرتُه، فأَقْبَلَ عليهما فَلَامَهُمَا، وأَقْبَلَ عَلَيَّ وقال: هُدِيتَ سُنَّةَ نَبِيِّكَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم

ورواه أَبو حنيفةَ عن حَمَّادٍ بن أَبي سُلَيْمَانَ، عن إِبراهيم، عن الصُبَيِّ بن مَعْبَدٍ قال: اقبلت من الجزيرة حَاجَّاً قَارِناً، فمررت بسليمانَ بن ربيعةَ وزيد بن صوحان وهما مُنِيخَان بالعُذَيْب، فسمعاني أَقولُ: لبّيك بعمرةٍ وحجَّةٍ معاً، فقال أَحدهما: هذا أَفْضَلُ مِنْ بَعيرِه، وقال الآخر: هذا أَضَلُّ مِنْ كذا وكذا. فَمَضَيتُ حتى إِذا قَضَيْتُ نُسُكِي مررتُ بأَميرِ المؤمنين عمر، فساقه إِلى أَنْ قال فيه: قال ـ يعني عمر ـ: فصنعت ماذا؟ قال: مضيت فَطُفْتُ طوافاً لِعُمرتي، وسعيتُ سعياً لِعُمرتي، ثُم عدتُ ففعلتُ مثلَ ذلك لِحَجِّي، ثُم بقيتُ حراماً ما أَقمنا أَصنعُ كما يصنعُ الحاجُّ حتى قَضيتُ آخِرَ نُسُكي، قال: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم ولأَن في القِرانِ جَمْعاً بين العبادتين، فكان كالصوم مع الاعتكاف، والجهاد في سبيل الله مع صلاة الليل.

وفي «شَرْحِ مسلم»: اختلفت رواياتُ الصحابةِ في صِفةِ حَجِّه صلى الله عليه وسلم في حجَّةِ الوَدَاع: هل كان قارناً، أَوْ مُفْرِداً، أَوْ مُتمتعاً؟ وطريق الجمع أَنه صلى الله عليه وسلم كان أَوَّلاً مُفْرِداً ثُم صار قَارِناً، فَمَنْ روى الإِفْرَاد رَوى أَولَ الأَمر، ومَنْ رَوى القِرانَ اعتمد آخِرَ الأَمر، ومَنْ رَوى التمتّع أَرادَ التمتعَ اللغويَّ ـ وهو الارتفاق ـ أَي الانتفاع الأُخروي بأَداء النُّسُكَين في سفرٍ واحدٍ. انتهى.

وقد وضع ابنُ حزمَ كِتاباً في أَنه صلى الله عليه وسلم كانَ قَارناً في حجّة الوداع، وتأَول باقي الأَحاديث.

وفي «المبسوط»: وأَهل الحديث جمعوا رواة نُسُك رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فكانوا ثلاثين نَفَراً: عشرة منهم يروون أَنه كان قَارناً، وعشرة أَنه كان مُفْرِداً، وعشرة أَنه كان مُتَمَتّعاً فَنُوَفِّقُ بين هذه الرواياتِ فنقول: لَبَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أَوَّلاً بالعمرةِ فسمَعَهُ بعضُ الناس، ثُم رواه. ثُم لَبَّى بعد ذلك بالحج فظنّوا أَنه كان متمتعاً فنقلوا كما وقع عندهم. ثم لَبَّى بعد ذلك بالحج فسمعَهُ قومٌ آخرون، فظنُّوا أَنه مُفْرِدٌ بالحج. ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>