للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ حَلَقَ رُبْعَ رَأسِهِ،

===

لاستلزامه الضرر بتنقيص المال. وهذا بخلافِ الخُفَّيْن حيثُ يَجِب قَطْعُهُمَا أَسْفَلَ من الكعبين إِذا لبسهما، لأَن اللبس ثَمَّةَ غيرُ واجبٍ، وإِنَّما يَلبَسه لِدَفْعِ الأَذى، فَوَجَب القَطْعُ للتمكن من الانتفاع على الوجه المباح، وههنا الستر فَرْضٌ، فكان مُضْطرَّاً إِلى اللُّبْس فلم يَجِب فَتْقُه. ولنا أَنَّ تأْثير الإِحرام في حُرْمةِ لُبْسِ المَخِيط، وتأْثير العُذْر في الإِطلاق، أَمَّا في إِسقاط الحرمة فلا، فُيَنَّزلُ اللُّبْسُ للعُذْرِ منزلةَ الحَلْقِ لِدَفْع الأَذَى.

(أَوْ حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ) أَوْ لحيته طَوْعاً أَوْ كَرْهاً، لأَنه حصل له ارتفاقٌ كامِل، لأَنَّ مِنَ الناسِ مَنْ يحلق بعض رأْسه، مَنْ يحلِق بعض لحيته. ولو كان مُكْرَهاً لا يرجع على المُكْرِه بشيءٍ، لأَن الدَّم في مقابلةِ ما حصل له مِنْ الراحة، وصار كالغُرور في العُقْر: ـ وهو بالضم: دية الفَرْج المغصوب، وصَدَاق المرأَة ـ. وصورته: أَنْ يَغُرَّ رَجُلاً فيقول له: أُزوِّجُ لك هذه فهي حرّةٌ، فيتزوجها ويدخل بها، ثُم استحق مُسْتَحِقٌّ بأَنها أَمَتُه، فإِنَّ المولى يأْخُذ مِنْ الزوجِ العُقْرَ، ولا يَرْجِعُ به الزوجُ على الغَارِّ، لأَنه قد حصلت له اللذةُ بمقابلةِ العُقْر وهي الوطء، كذا في «السراج».

وقال زُفَر: يرجع به عليه، لأَنه هو الذي أَوْقعه في هذه العهدة، وأَلْزَمه هذه (الغرامة) (١) . ولا شيءَ عليه عند الشافعي بناءً على أَصْلِهِ: أَنَّ (٢) الإِكراه يُخْرِجُ المُكْرَهَ مِنْ أَنْ يكونَ مُؤاخَذاً بِحُكْم الفِعْل، والنوم عنده أَبْلغ من الإِكْراه، لأَن الإِكْرَاه يُفْسِدُ قَصْدَه. وبالنوم يَنْعَدم القَصْدُ أَصلاً. وعندنا سَبَبُ النوم والإِكراه ينفي عنه الإِثم، ولكن لا ينفي حُكْم الفِعْل إِذَا تَقَرَّرَ سَبَبُه (٣) ، والسبب هنا أَنه نال مِنْ الراحة والزينة بإِزالة التَّفَثِ (٤) عن بدنه فيلزمه الدَّمُ، وفي «الجامع الصغير»: عن أَبي حنيفةَ أَنه يَجِب الدمُ بِحَلْق الأَكْثر. انتهى. وهو رواية عن أَبي يوسف، وهو (الأَظْهَر) (٥) . وذكر شمسُ الأَئمة وقاضى خان: أَنَّ على قولهما في حلق الجميع الدم. وفي الأَقل منه الطعام.

ثُم يَجِب عندنا صدقةٌ بِثَلاثِ شَعَراتٍ لِعَدَمِ كمال الارتفاق. ويجب دَمٌ عند الشافعيّ اعتباراً بنباتِ الحرم. وإِذا حَلَقَ مُحْرِمٌ رَأْسَ محرم عند جواز


(١) سقط من المطبوع.
(٢) في المطبوع: أصل، وما أثبتناه من المخطوط.
(٣) في المطبوع: "تقرَّب بسبب"، وما أثبتناه من المخطوط.
(٤) التَّفث في المناسك: قص الشارب والأظفار، ونتف الإِبط، ونتف شعر العانة، ونحو ذلك. معجم لغة الفقهاء ص: ١٣٨.
(٥) في المطبوع: الأكثر، وما أثبتناه من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>