للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

ثُمَّ كونُ العائِدِ (١) كالمُبْتَدِاء قولُ عطاء، وإِبراهيم، وسعيد بن جُبَيْر، والحسن، وبه قُلْنا، وعليه عامَّةُ العلماءِ. وعن ابن عباس وشُرَيْح أَنه لا يَجِبُ الجزاءُ على العائِد، وهو قول داود، ولكن يقال له: اذهب فينتقم اللهُ مِنْك، لِظاهر قوله تعالى: {ومَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} (٢) . ولنا أَنَّ ضَمَانَ الإِتلاف لا يختلفُ بالابتداءِ والعودِ إِليه، بل جنايةُ العائِد أَظْهَرُ، والمرادُ بالآية ومَنْ عاد (من) (٣) بعد العلم بالحُرْمَةِ كما في آيةِ الرِّبا: {فَمَنْ عَادَ فأُولئكَ أَصْحَابُ النَّارِ} (٤) أَي ومَنْ عاد (إِلى المباشرة بعد) (٥) العلم بالحرمة، لا أَنْ يكون المراد به العودَ إِلى القَتْلِ بعد القَتْل.

ثم لزوم الجزاء بالدلالة استحسانٌ عندنا، وفي القياس لا جزاء، وبه أَخَذ مالك والشافعيُّ، لأَنَّ الجزاءَ واجبٌ بِقَتْلِ الصَّيْدِ بالنَّصِّ. قال اللهُ تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُم مُتَعَمِّداً} (٦) الآيةَ، والدلالة ليست في معنى القَتْل، ولهذا يجِبُ جزاءُ صَيْدِ الحَرَم على القاتِل الحلال، ولا يجِبُ على الدَّال (إِذا كانَ حَلالاً بالاتفاق، ولأَن حرمةَ الصيد في حقِّ المُحْرِم ليس بأَقوى مِنْ حرمةِ مالِ المُسْلِم ونَفْسِهِ) (٧) ، ولا يضمن الدَّالُّ على مَالِ المُسْلم ولا على نَفْسِهِ شيئاً بسبب الدلالةِ، فكذلك ههنا، إِلاَّ أَنَّا تَرَكْنا القِياسَ باتفاق الصحابة، فإِنَّ رجلاً سأَل عمرَ فقال: إِني أَشَرْتُ إِلى ظَبْيٍ وأَنَا مُحْرِمٌ فَقَتَلَهُ صاحبي، فقال عمرُ لعبدِ الرحمن: ماذا ترى (عليه) (٨) ؟ فقال: أَرَى عليه شاةً، فقال عمرُ: وأَنَا أَرَى عليه ذلك. وإِنَّ عَلِيَّاً وابن عباس سُئِلا عن مُحْرِمٍ دَلَّ على بَيْضِ نَعَامَةٍ فأَخَذَهُ المَدْلُولُ عليه فَشَواهُ، فقالا: على الدَّالِّ جَزَاؤه. وكذلك رُوِي عن عثمانَ.

والقياسُ يُتْرَكُ بِقَوْلِ الفقهاءِ من الصحابةِ، وما نُقِل منهم في هذا كالمَنْقُول عَنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إِذْ لا يُظَنُّ بهم أَنَّهم قالوه جُزَافاً، والقِيَاسُ لا يشهدُ لِقَوْلِهِم حتى نقولَ قالوا ذلك قِياساً، فلم يَبْق إِلاَّ السَّمَاعُ، ثُمَّ ثبتَ باتفاقهم أَنَّ الدلالة على الصيدِ مِنْ مَحْظُوراتِ الإِحرام، وذلك ثابتٌ بالنَّصِّ عَنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حيثُ قال


(١) أي العائد إلى القَتْل مَرَّةً أخرى.
(٢) سورة المائدة، الآية: (٥)
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) سورة البقرة، الآية: (٢٧٥).
(٥) سقط من المطبوع.
(٦) سورة المائدة، الآية: (٥).
(٧) سقط من المطبوع.
(٨) سقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>