للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ طَعَاماً يَتَصَدَّقُ كالفِطْرَةِ، أَوْ صَامَ عَنْ كُلِّ مِسْكينٍ يَوْماً. ومَا فَضَلَ عَنْه تَصَدَّقَ بِهِ أَو صَامَ يَوْماً

===

يلزم أَنْ يتصدَّقَ بقيمةِ لَحْمِهِ عندنا، ولو بعد التَّمَكُّنِ من التصدّقِ به لسقوط التصدق بِفَوَاتِ محله. وأَوجبه مالك والشافعيُّ لتقصيرهِ، وكذا حُكْم دم الجَبْر. وهذا الخلاف كالخلاف في هلاك المال بعد التمكن من أَداء الزكاة، يَسْقُط عندنا خلافاً لهما.

ولو ذَبَح في غيرِ أَرْضِ الحَرَم لا يَخْرجُ عن العُهْدَةِ إِلاَّ إِذا تصدَّق على كل مسكينٍ من اللحم بما يساوي قيمةَ نصفِ صاعٍ مِنْ بُرَ، وكان فيه وفاء بِمَا قوَّمه عدلان، وإِنْ لَمْ يَفِ يُوَفَّى. وإِنما لا يجوزُ ذَبْحه إِلاَّ في الحَرَمِ لقوله تعالى: {هَدْياً بَالِغَ الكَعْبَةِ}، فلو ذبح شيئاً مِنْ الدماءِ الواجبةِ في الحَجِّ والعُمْرة خَارِجَ الحَرَمِ لم يسقط عنه وعليه ذَبْحٌ آخَرُ في الحَرَم، وذلك لقوله تعالى: {ولا تَحْلِقُوا رؤسَكُم حَتَى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ} (١) . ويجوزُ أَنْ يتصدقَ بِلَحمِ الهَدْي على مِسْكِينٍ واحدٍ، أَوْ مَسَاكِينَ، ومساكينُ الحرم أَفْضَل.

(أَوْ طَعَاماً يَتَصَدَّقُ) به في أَيِّ موضع شاء، لأَن الصدقة قُرْبةٌ غَيْرُ مؤقتةٍ بالمكان (كالفِطْرَةِ) بأَن يُعطِي كلَّ مسكين نصفَ صاع مِنْ بُرَ أَوْ صاعاً مِنْ تَمْرٍ أَوْ شعيرٍ، لا أَقَلَّ مِنْ ذلك ولا أَزْيَد. وفي «السراج»: يجوز أنْ يتصدَّقَ بالكُلِّ على مسكينٍ واحدٍ. وفي «اللباب»: ولا يجوزُ أَنْ يُطْعِم لمسكينٍ واحد أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صاعٍ إِلاَّ أَنْ يَفْصُلَ، أَوْ يكون الواجب أَقلَّ منه، فيعطيه مسكيناً واحداً.

(أَوْ صَامَ) في أَيِّ موضع شاء (عَنْ) طعام (كُلِّ مِسْكينٍ يَوْماً) بأَنْ يُقَوَّمَ المَقْتُولُ طعاماً ثُم يصوم مكانَ طعامِ كُلِّ مسكينٍ يوماً، فالقاتِلُ بالخيارِ ـ ولو مُوسَراً ـ بين الهَدْي والإِطعام والصيام.

وإِنْ لم يبلغ الهدي فهو بالخِيار بين الطَعام والصيام (ومَا فَضَلَ عَنْه) أَي عنْ طعامِ مِسْكين بأَنْ بقي أَقل مِنْ نِصْفِ صاعٍ مِنْ بُرَ، أَوْ كَانَتْ قيمةُ المقتول أَقل من ذلك، بأَنْ قَتَلَ عُصْفُوراً (تَصَدَّقَ بِهِ) على مِسْكِينٍ وَاحِدٍ (أَوْ صَامَ يَوْماً) كاملاً لأَن صوم بعض اليوم غير مشروع.

ثُم اعْلَم أَنَّ كَوْنَ القتل الخطأ كالعَمْد قولُ عمرَ، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أَبي وَقَّاص، وبه أَخذ علماؤنا. وقال ابن عباس: ليس على المُحْرم في قتلِ خطأٍ جزاءٌ لظاهِرِ الآيةِ، وتقدَّم الجوابُ عنه.


(١) سورة البقرة، الآية: (١٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>