(وإِنْ أَخْرَجَهُ عَنْ حَيِّزِ الامْتِنَاعِ) بأَن نَتَفَ ريشَه كُلَّه أَوْ قَطع قَوائمه (أَوْ كَسَرَ البَيْضَ فَقِيمتُهُ) كاملةً تَجِب عليه. أَما إِذا أَخْرجه عن حَيِّز الامتناع وهو بالطيران، أَوْ بالعدو، أَوْ بِدُخُول الجُحْر، فلأَنه فَوَّتَ عليه الأَمْنَ بِتَفْويتِ آلةِ الامتناع، فيغرم جزاءه. وأَمَّا إِذا كَسَر بَيْضَه، فلأَنه أَصْلُ الصيد، فيأْخذ حُكْمَه، فعليه قيمةُ البيض لا قيمةُ مَآلِ البيض وهو الصيد، وهو مَرْوِيٌّ عن عليَ وابن عباس. وقد رَوى عبد الرزاق في «مُصَنَّفهِ» عن سفيانَ الثَّوْري، عن عبد الكريم الجَزَري، عن ابن عباس أَنه قال: في بَيْضِ النَّعَامِ يُصِيبُهُ المُحْرِم ثَمَنُه.
ولو كَسَرَ بَيْضَةً، فخرجَ منها فَرْخٌ ميتٌ يجِب قيمةُ الفَرْخِ الحيّ، لأَن الظاهر أَنه ماتَ بسببِ كَسْر البيضةِ، ولا شيءَ عليه في البيض. وقيل: إِنما ضمنه إِذا عَلِم أَنَّه كان حيَّاً، وماتَ بسببِ الكَسْر، وأَمَّا إِنْ عَلِمَ أَنَّه كان ميتاً، فلا شيء عليه، وإِنْ لم يعلم فالقياسُ أَنْ لا يَجِب الجزاء، لأَنه لم يَعْلم حياةَ الفَرْخ قبل الكسر. وفي الاستحسان يجبُ، لأَن البيضَ مُعَدٌّ ليخرجَ منه فَرْخٌ حيٌّ، والتمسك بالأَصْل واجِبٌ حتى يظهرَ خِلَافُه.
(وكَذَا إِنْ ذَبَحَ الحَلَالُ صَيْدَ الحَرَمِ) لزمه قيمتُه ويَهْدِي بها، أَوْ يطعم، ولا يُجزئه الصوم. وقال زُفَر: يجزئه. (أَوْ حَلَبَهُ) لأَن لَبَنَ الصيدِ جزؤُهُ، فأَخذ حُكْمَ كُلِّه. ولو فَعَل المُحْرمُ ذلك لَزِمَهُ في القياس قيمتان، لوجود الجناية على الإِحرام وعلى الحَرَم، وهو المذهب، وبه قال مالك. وفي الاستحسان قيمةٌ واحدةٌ، لأَن حرمةَ الإِحرام أَقْوى مِنْ حُرْمةِ الحَرَمِ لِحُصُولها في الأَماكِنِ كُلِّها، واعتبارُ الأَقْوى متعينٌ، فَتَدْخُلُ الجِنَايَةُ على الحَرَم في الجناية على الإِحرام، وبه قال الشافعيّ.
والحاصل أَنَّ صَيْدَ الحرم حرام على المُحْرم والحلالِ إِلاَّ ما استثناهُ الشارِعُ. فلو قَتَل مُحْرِمٌ صيداً، فعليه جزاءٌ واحدٌ، وليس عليه لأَجْلِ الحَرَمِ شَيْءٌ للتَّدَاخُلِ، كما لو قَتَله حَلالٌ فعليه جزاءٌ واحِدٌ لأَجْلِ الحَرَمِ، ثُمَّ يَتَعَيَّنُ قيمةُ صيدِ الحرم عندنا فيتصدَّق بها، ولا يجوز الصوم عنه، وأَجازه زُفَرُ كمالك والشافعيّ.
(أَوْ قَطَعَ) حَلَالٌ أَوْ مُحْرِمٌ (حَشِيشَهُ) أَي حشيش الحَرَم (أَوْ شَجَرَهُ) لأَنه أَزال عنه الأَمْنَ الذي كان يستحقُّه، بسببِ كونهِ منسوباً إِلى الحَرَمِ على الكمال. وذلك بأَنْ نَبَتَ بنفْسِه ولا يكون من جنس ما يُنْبِتُه الناسُ، فلو أَنْبَتهُ الناس سواء كان مِنْ جِنْس ما