للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

التعريف، ولا يملكها أَبداً، ولا يتصدّقُ بها إِلاَّ أَنْ يظفر بصاحبها بخلاف لقطة سائر البقاع، وهو أَظْهر قولي الشافعي. والأَكْثَرُون على أَنَّه لا فَرْقَ بين لقطة الحرَمِ والحِلِّ. وقالوا معنى: «إِلاَّ لِمُنْشد» أَنه يُعَرِّفُها كما في سائر البقاع حَوْلاً كَامِلاً، حتى لا يتوهم (أَنَّه) (١) إِذا نَادَى عليها وقتَ الموسم، فلم يظْفَرْ بِمَالِكِها، جاز تمَلُّكُها. وقوله: «لِقُبُورِنَا وبُيُوتِنَا» لأَنَّه يُسَدُّ به فُرَجَ اللَّحْد المتخلِّل بين اللَّبِنَات، ويُسقف به البيت فوق الخشب.

فإِنْ قلت: ليس في كلام العباس ما استثني إِلاَّ الإِذْخر منه، فما المستثنى البيت منه؟ قلت: مثله ليس مُسْتَثنىً، بل هو تَلْقِينٌ بالاستثناءِ، كأَنه قال: قل يا رسول الله: لا يُخْتَلَى خَلاها إِلاَّ الإِذْخِر. والواقع في لفظه صلى الله عليه وسلم ظاهرٌ أَنَّه اسْتِثْنَاءٌ مِنْ كلامهِ السابِقِ، كذا أَفادَهُ الكِرْمَاني في «شَرْح البُخَاري». ورُوِي أَنَّ ابن (٢) عمر قَطَعَ دَوْحَةً (٣) كانت في موضع الطواف تؤذي الطائفين وتَصَدَّقَ بقيمتها.

والحاصل أَنَّ كلَّ شجر أَنْبَتَه الناسُ وهو مِنْ جنسِ ما يُنْبِتُونه كالزرع، وما أَنْبَتَهُ النَّاسُ وليس مما يُنبتونه عادةً كالأَرَاك، وما نَبَتَ بِنَفْسه وهو مِنْ جنس ما ينبتونه، فهذا يَحِلُّ قَطْعُه ولا جزاء فيه، لأَنَّ الناسَ يَزْرَعُونَ ويحصدون في الحرم مِنْ لَدُن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إِلى يومنا هذا مِنْ غَيْر نكيرِ مُنْكِر، ولا زَجْر زَاجِرٍ. وكل ما نَبَتَ بِنَفْسِهِ وهو من جِنْس ما لا يُنْبِتُونه كأُم غَيْلَان، فهذا محظورُ القَطْعِ على المُحْرِم والحَلَال، مملوكاً أَوْ غَيْرَ مَمْلُوكٍ، إِلاَّ اليابِسَ، والإِذْخِرَ، وذلك لأَنَّ حُرْمَةَ أَشْجَار الحَرَمِ كَحُرْمَةِ صَيْدِه، فإِنَّ صيده يأْوي (٤) إِلى أَشجاره ويستظلُّ بظلها، ويتخذ أَوْكاراً على أَغْصَانِها.

فكما تجب القيمة في صيد الحَرَم على مَنْ أَتْلَفه، فكذلك تجب (القيمة) (٥) على مَنْ قطعه. ويجوزُ للمُحْرم أَنْ يقطعَ شجرَ الحِلِّ وحشيشَهُ، رطباً ويابساً. ثُم مُجْمَلُ ما احتجّ به أَبو حنيفةَ ومحمد على تحريمِ رَعْي حشيش الحَرَمِ قولهُ صلى الله عليه وسلم «لا يُخْتَلَى خَلَاها». وفي رَعْي الدوابِ ارتكابُ المنهيِّ عنه، لأَن مشافر (٦)


(١) سقط من المطبوع.
(٢) وفي المخطوط: عمر.
(٣) الدَّوْحَة: هي الشجرة العظيمة. النهاية: ٢/ ١٣٨.
(٤) في المطبوع: يأتي، وما أثبتناه من المخطوط.
(٥) سقط من المطبوع.
(٦) المِشْفَر جمعُهُ مشافر: كالشَّفَة لك. القاموس المحيط، ص: ٥٣٦، مادة (الشفر).

<<  <  ج: ص:  >  >>