للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

الدواب كالمناجل (١) .

ولهم أَنَّ الذين يدخلون الحَرَمَ للحج والعُمرة يكونون على الدواب لا يمكنُهُم مَنْعها مِنْ رَعْيها، إِذْ في ذلك مِنَ الحرجِ ما لا يَخْفَى، حتى قال ابن أَبي ليلى: لا بأْس بأَنْ يحتشَّ ويَرْعى لأَجل الضرورة والبلوى، فإِنه يَشُقُّ على الناس حَمْلُ العلفِ للدوابِّ من خارج الحَرَم.

ولقائلٍ أَنْ يقول: احتياجُ أَهْلِ مكَّةَ إِلى حشيش الحرم لدوابِّهم فوق احتياجهم الإِذْخِر لعدم انفكاكها عنهم، وأَمْرُهم بِرَعْيها خارجَ الحَرَمِ في غايةِ المشقة، إِذْ أَقْرَبُ حِلِّ الحرمِ جهةُ التَّنْعِيم، وهي نحو أَربعة أَميال، والجهات الأُخَر: سبعةً وثمانية وعشرة، كما فصلناها عند ذكر المواقيت. ولو حَرُمَ رَعْيُه لخرج بها الرِّعاء كل يوم مانِعِينَ (٢) لها إِلى إِحدى الجهات في زمن، ثُم عادوا في مثله، وقد لا يبقى من النهار وقتٌ تَرْعَى فيه الدوابُّ إِلى أَنْ تشبع، على أَنَّ أَصْلَ جَعْلِ الحرَم إِنَّما كان لِيأْمنَ أَهلُه على أَنفسِهم وأَموالِهم، فلو لم يَجُز لهم رَعْيُ حشيشه لَتُخُطِّفُوا كغيرهم، قال اللهُ تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً يُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِم} (٣) ، ذكره في مَعْرِض الامتنانِ عليهم، حيث كانت العرب حول مكةَ يغزو بعضهم بعضاً ويتغارُّون ويتناهبون، وأَهلُ مكةَ قارون آمِنون فيها لا يُغزَوْن ولا يغار عليهم مع قِلَّتِهم.

بل وفي قوله صلى الله عليه وسلم «لا يُخْتَلَى خَلاهَا، ولا يُعْضَدُ شَوْكُها»، وسكوتِه عن نفي الرَّعْي إِشارةٌ إِلى جوازه، إِذْ معنى لا يُعْضَدُ ولا يُخْتَلى: لا يقطع، ولو كان الرَّعْيُ مثلَه لَبَيَّنَه، ولا مساواةَ بينهما لِيُلْحَقَ به دلالةً، إِذِ القطعُ فِعْلُ مَنْ يفعل، والرَّعْي فِعْلُ العَجْماءِ (٤) وهو جُبَارٌ (٥) وعليه عَمَلُ الناس. وليس في النَّصِّ دلالةٌ على نَفْي الرَّعْي لِيلزَم من اعتبار البلوى مَعَارَضَتُه بخلافِ الاحتِشَاشِ الذي قال به ابن أَبي لَيْلَى. هذا، ويجوزُ أَخْذُ كَمْأَةِ (٦) الحَرَمِ، لأَنها ليست مِنْ نبات الأَرض، بل هي مُودَعَةٌ


(١) في المطبوع: "كالمختلى". والمثبت من المخطوط.
(٢) في المطبوع: ما يعيِّن، وما أثبتناه من المخطوط.
(٣) سورة العنكبوت، الآية: (٦٧).
(٤) العَجْماء: أي الدَّابة. النهاية: ١/ ٢٣٦.
(٥) الجُبَار: الهَدر. النهاية: ١/ ٢٣٦.
(٦) الكَمء: الفُطْرُ. المعجم الوسيط ص: ٧٩٧، مادة (كَمَأَ).

<<  <  ج: ص:  >  >>