للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبِقَتْلِ قَمْلَةٍ أَوْ جَرَادَةٍ صَدَقَةٌ وإِنْ قَلَّتْ.

===

فيها. وكذلك لا بأْس بإخراج حجارةِ الحَرَمِ عندنا، وقد نُقِل عن ابن عباس وابن عمر أَنَّهُما كَرِهَا ذلك، وبه قال الشافعي. قال شمس الأَئمةِ السَّرَخْسِي: ولسنا نأْخذ بهذه العادة الجارية الظاهرة فيما بين الناس بإِخراج القذور ونحوها مِنْ الحَرَم.

(وبِقَتْلِ قَمْلَةٍ) أَي مِنْ بَدَنِهِ، فإِنه لو قَتَل قَمْلَةً مِنَ الأَرض أَوْ مِنْ غيرِه، لا شيء عليه، وكذا لو قتل محرِمٌ قَمْلَ غيرِه لا شيء عليه. ولو قال مُحْرِمٌ لِحَلالٍ: ارْفَع عني هذه القَمْلَة، أَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلِها، أَوْ أَشار إِليها فقتلها، فعلى الآمِر الجزاءُ، والدلالةُ فيها موجِبةٌ كما في الصيد.

(أَوْ) قَتْل (جَرَادَةٍ صَدَقَةٌ وإِنْ قَلَّتْ) كَكَفَ من الطعامِ وكسرةٍ من خبزٍ. أَما القَمْلة فلأَنها متولدةٌ من بدنِهِ، فيكون قَتْلُهَا مِنْ قضاءِ التَّفَثِ، وفي إِزالتها ارتفاقٌ (١) ، والقَمْلتانِ والثلاثُ كالواحِدِ. ولو قتل قَمْلاً كثيراً وهو ما زاد على الثلاثِ ـ بالِغاً ما بَلَغ ـ أَطْعَم نِصْفَ صاعٍ مِنْ بُرَ. وإِلْقاؤها على الأَرض كَقَتْلِها. ولو وضَع ثوبَه في الشمس ليقتلَ قَمْلَةً فماتت فعليه الجزاءُ. ولو وضَع ثوبَه في الشمسِ ولم يَقْصد قَتْلَ القَمْلِ لا شيءَ عليه، كما لو غَسَلَ ثوبَه فماتَ القَمْلُ.

وأَمَّا الجرادةُ فلأَنها مِنْ صَيْد البَرِّ، لما روى مالك في «المُوَطَّأ» من حديث يَحْيَى ابن سعيد: أَنَّ رجلاً سأَلَ عمرَ عن جرادة قتَلها وهو مُحْرِمٌ، فقال عمرُ لكَعْب: تَعَال حتى تَحْكُمَ، فقال كعب: دِرْهَمٌ، فقال عُمَر: إِنَّكَ لَتَجِدُ الدَّرَاهِم، لَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جرادةٍ. وعليه كثيرٌ مِنْ العلماء، لكنْ يُشْكِل عليه ما ورد في «سُنن أَبي داود والترمذي» عن أَبي هريرةَ قال: خَرَجْنا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في حَجَّةٍ أَوْ عُمرةٍ فاسْتَقْبلنا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ ـ بكسر الراء، أَي قطعة عظيمةٍ منه ـ فجعلنا نَضْرِبُه بِسِيَاطِنَا وقَسِّيِّنا (٢) ، فقالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم «كُلُوه، فإِنه مِنْ صَيْدِ البَحْرِ».

وعلى هذا لا يكون فيه شيءٌ أَصلاً. وتَبِع عُمَرَ أَصحابُ المذاهبِ، كذا ذكره ابن الهُمامِ، وسكت عن تحقيقِ المرام.

وفي «حياة الحيوان» للعلامة الدَّمِيري: أَنَّ الجراد نوعان: بَرِّي وبِحْري، لما روى ابن ماجه عن أَنس: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دَعَا على جرادٍ فقال: «اللَّهُمَّ أَهْلِك كِبَارَهُ، وأَفْسِد صغارَهُ، واقْطَع دَابِرَه، وخُذ بأَفْوَاهِهِ عن معايشِنَا وأَرْزاقِنا فإِنَّك سميعُ الدُّعاءِ»، فقال رجلٌ: يا رسولَ اللهِ كيف تَدْعُو على جُنْدٍ مِنْ أَجْنادِ اللَّهِ بِقَطْعِ دَابِره؟ قال:


(١) تقدم شرحها ص: ٦٩٠، تعليق رقم (٤).
(٢) القَسِّيُّ: ثياب من كَتَّان مخلوط بحرير، يؤتى بها من مصر، النهاية ٤/ ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>