للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشهوةٍ عند الانفصال، وغَيْبَةُ حَشَفَةٍ

===

أي دَفقٍ وغَلَبة

(وشهوةٍ) أي ذي شهوة، وكأنه عطفُ تفسير (عند الانفصال) أي انفصال المَنِيِّ عن الظَّهْر، حتى لو أَنزَل مِنْ غير شهوةٍ، بأن حَمَل شيئاً ثقيلاً أو ضُرِبَ على ظهره، فسبَقَه المنيُّ، لا غُسْلَ عليه.

وقال مالك والشافعيُّ: عليه الغُسْلُ لِمَا روى مسلم وأبو داود عن أبي سعيد الخُدْري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّما الماءُ من الماء». أي الغُسْلُ من المنيِّ واجبٌ، إذ هو خِطابٌ جارٍ مَجرى الأمر.

ولنا قولُه تعالى: {وإنْ كنتم جُنُباً فاطَّهَّروا} (١) والجُنُبُ من قَضَى شهوته، لأنَّ الرجل إذا قَضَى شهوتَه مِنْ المرأةٍ جانَبَها. والحديثُ محمولٌ على الخروج بشهوة، لأنَّ اللام فيه للعهد الذهني، أي الماءُ المعهودُ وهو الخارج عن شهوة، كيف وهو مُتناوِلٌ لماءٍ لا يُوجب الغُسْلَ كالمَذْي ونحوِه، ورُبَّما يأتي على أكثرِ الناس جميعُ عُمرُه ولا يرى هذا الماء مجرّداً عن شهوة، إذْ حُصولُه إنما يكون بضَربٍ على الصُّلْبِ ونحوِه. على أنَّا نَمْنَعُ وجودَ مَنِيّ بلا شهوة، ألا تَرى إلى تفسير عائشة المَنِيَّ بأنه أبيَضُ ثَخِينٌ يَنكسِرُ منه الذَّكَر؟ (٢) وانكسارُهُ لا يكون إلا مِنْ شهوة، كذا ذكره بعضُ المحقَّقين. وفيه بحثٌ لا يَخْفَى على المدقِّقين.

وقال أبو يوسف: لا بُدَّ من بقاءِ الشهوة عند خروج المنيّ مِنْ ذَكَرِه. واكتفَيَا بوجودِها عند انفصالِها من الصُّلبِ احتياطاً، مع الاتفاقِ على أنه لا يجبُ الغُسْلُ إذا انفصَلَ عن مقَرِّه من الصُّلب بشهوةٍ إلا إذا خَرَج على رأس الذَّكَر. وتَظَهر ثمرتُهُ فيمن استَمْنَى بكفّه (٣) وأمسَك ذَكَره حتى سكنَتْ شهوتُه فخرج المنيُّ بلا شهوة، وفيمن اغتَسَل قَبْلَ البولِ والنومِ والمشيِ ونحوِها، ثم خَرَج منه بقيَّةُ المنيّ حيث يَلزمُه الغُسلُ عندهما خلافاً له. وقولُهما أحوطُ كما لا يَخفى.

(وغَيْبَةُ حَشَفَةٍ) وهي ما فوقَ موضعِ الخِتان من رأس الذَّكَر، أو قَدْرُها إذا كانت


(١) سورة المائدة، الآية: (٦).
(٢) قال الشيخ عبد الفتاح - رحمه الله -: "التفسير المنسوب إلى عائشة رضي الله عنها غير واردٍ بهذا اللفظ إطلاقًا". "فتح باب العناية" ١/ ٩٢.
(٣) ولم يتعرض الشارح هنا لحكم الاستمناء بالكف، وسيذكره في كتاب الصوم، فصل فيما يفسد وما لا يفسده ص ٥٣٤، وخلاصته أنه لا يجوز الاستمناء إن قصد قضاء الشهوة، أما إن أراد تسكين ما به من الشهوة فلا بأس. وانظر لمزيد تفصيل "رد المحتار" ٢/ ١٠٠، و"حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح" ص ٤٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>