للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومَنْ دَخَلَ الحَرَمَ بِصيدٍ أَرْسَلَهُ، وَرُدَّ بَيْعُهُ إِنْ بَقِي، وإِلَّا جزى

===

أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الشام استفتاه في لَحْمِ الصَّيْدِ وهو مُحْرِم، فأَمَرَهُ بِأَكْلِهِ، قال: فَلَقِيتُ عُمَرَ فأَخْبَرْتُه بِمَسْأَلة الرجل، فقال: بِمَ أَفْتَيتَهُ؟ قلت: بأَكْلِهِ، قال: والذي نَفْسِي بِيَدِهِ لو أَفْتَيْتَه بغيرِ ذلك لَعَلَوتُك بالدِّرَّةِ (١) ، إِنَّما نُهِيتَ أَنْ تَصْطَادَه. وأَخرج عبد الله بن شماس عن عائشةَ قالت ـ في لَحْمِ الصَّيْدِ يَصِيدُه الحَلالُ ثُمَّ يُهْدِيه للمُحْرِم ـ: ما أَرَى به بَأْساً.

قال: وأَمَّا الآيةُ فمعناها: وحُرِّمَ عليكم قَتْلُ صَيْد البَرِّ، بدليل قوله تعالى: {يا أَيُّها الذينَ آمَنُوا لا تَقْتُلوا الصَّيْدَ وأَنْتُم حُرُمٌ} (٢) ولم يقل: لا تأْكلوا. انتهى. وقد قدر المضاف، والأَظهر أَنَّ الصيد في الآيةِ الأُولى بمعنى الاصطياد، وفي الثانية بمعنى الصيد، لتفيد الآيتانِ الحُكْمَينِ المُحَرَّمَيْنِ على المُحْرِمين، وهما الاصطياد وقَتْل الصيد، فإِنَّهما مُتَغَايرَان. وأَكْل المُحْرم المضطر ميتة أَوْلى مِنْ أَكْل الصَّيْد يصيدُه، هو عند أَبي حنيفة، وهو روايةٌ عن أَبي يوسف، وفي أُخْرى: بِعَكْسه (٣) ، ويلزمه الجزاءُ. وقال زُفر: يتناول من الميتة لا غَيْرُ.

(ومَنْ دَخَلَ الحَرَمَ بِصَيْدٍ أَرْسَلَهُ) فيه، لأَنه بدخولِ الحَرَم صار مِنْ صَيْدِهِ، فلا يجوزُ التعرّضُ (له) (٤) كما إِذا دخل بنفسه. وفي المسأَلة خلاف مالك والشافعي: فلو أَدخل الحَجَل واليعاقِيب الحرمَ أَحياءً، يَثْبُتُ الأَمنُ فيها، فلا يَحِلُّ تَنَاولُ شيءٍ منها، وهو مَرْوِيٌّ عن عائشةَ، وابن عمر، والحسين بن علي. فلو ذَبَحها قَبْل أَنْ يُدْخِلَها الحَرَمَ، فلا بأْس بِتَنَاولها في الحَرَم، لأَنه إِنَّما أَدْخَلَ اللَّحْمَ في الحَرَم، واللَّحْمُ ليس بِصَيدٍ، وأَكْلُ القاتل المحرم من الصيد بعد أَداء الجزاء، يوجب قيمة ما أكل عند أَبي حنيفة، ونفيا وجوبها، لأَن صيدَ الحَرَمِ كالميتة، وتناولها لا يُوجِب إِلاَّ الاستغفارَ، وصار كأَكْله قبل أَداءِ الجزاء، وكغير القاتِل في عدَم لزومِه بالأَكل منه مُحْرِماً كان أَوْ حلالاً، وكأَكْل حَلالٍ صَيدَ الحَرَم في عدم لزومه بالأَكْلِ منه.

(وَرُدَّ بَيْعُهُ) أَي بيع الحلال صيداً أَدخله في الحرم (إِنْ بَقِي) الصيدُ في يدِ المُشتري، سواء بيع في الحَرم أَوْ الحِلِّ بعد ما أَدخله في الحرم (وإِلاَّ) أَي وإِنْ لم يبق الصيد (جزى) البائع، لأَن البيع فاسِدٌ لاشتماله على التعرض للصيد، فيجب رَدُّهُ


(١) الدّرَّة: السَّوْط يُضْرَبُ به. المعجم الوسيط ص: ٢٧٩، مادة (دَرَّ).
(٢) سورة المائدة، الآية: (٩٥).
(٣) أي وفي رواية أخرى: أكْل المحرم المضطر الصيد أولى من الميتة.
(٤) سقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>