للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَبَيْعِ المُحْرِم صَيْداً، لا صَيْداً مَعَهُ إِذَا أَحْرَمَ. ومَنْ أَرْسَل صَيْداً في يَدِ مُحْرِمٍ إِنْ أَخَذَهُ حَلَالاً ضَمِنَ،

===

وإِرْسَالُ الصيدِ إِنْ كان باقياً، وقيمته إِنْ كان فانياً (كَبَيْعِ المُحْرِم صَيْداً) من مُحْرِمٍ أَوْ حَلالٍ، حيثُ يُردُّ البيعُ إِنْ كان الصيدُ قائماً، وتلزمُهُ القيمةُ إِنْ كان فَانياً، لأَنَّ البيع فاسِدٌ لاشتماله على تَعَرُّضِ المُحْرمِ للصَّيْد.

(لا صَيْداً) أَي لا يُرْسِل المُحْرم صيداً (مَعَهُ، إِذَا أَحْرَمَ) وهذا إِذا كان الصيد في قفصه أَوْ رَحْله، أَما إِذا كان في يده فإِنه يرسله اتفاقاً، لأَنَّ الواجب عليه تَرْكُ التعرضُ له، وليس في تَرْكِهِ في القفص تعرضٌ له. غايةُ الأَمر أَنه على مِلْكهِ ولا معتبرَ ببقاءِ الملك، بل ولا يزولُ مِلْكه بالإِرسال، حتى لو أَرسله وأَخَذه إِنسانٌ يستردُّه إِذا تحلَّل مِنْ إِحرامه. وقيل: إِذا كان القفص في يده لزمه إِرسالهُ، لكن على وجهٍ لا يضيع مِلْكه: بأَن يخليه في بيتِه، وإِنْ لم يرسلْه حتى مات في يده لزمه جزاؤه.

ورَوى ابن أَبي شيبةَ في «مُصَنّفه» عن أَبي بكر بن عَيَّاش، عن يزيد بن أَبي زياد، عن عبد الله بن الحارث قال: كنَّا نحجُّ ونَتْركُ عند أَهلِنا شيئاً مِنْ الصيد ما نُرْسِلُها. ورُوي أَيضاً عن عبد السلام بن حَرْب، عن لَيْث، عن مجاهد: أَنَّ عَلِيَّاً رأَى مع بعضِ أَصحابهِ داجِناً مِنْ الصيد وهم محرمون، فلم يَأْمُرْهم بإِرساله. والدَّاجِن ـ بكسر الجيم ـ: الشاة التي يَعْلِفها الناس في منازلهم. وقال الشافعي: بِلزوم إِرْساله، لأَنه متعرضٌ للصيد بإِمساكه في مِلْكِه، وذا حَرُمَ بسبب الإِحْرام، فيلزمه إِرْساله كما كان في يده.

ولنا ما قدَّمنا، وأَنَّ ذلك جرت به العادة الغاشية مِنْ لدن الصحابة. ومن بعدهم إِلى الآن، يُحْرمون وفي بيوتهم حَمَامٌ في أَبراج، وعندهم دواجنُ وطيورٌ لا يطلقونها، وهي مِنْ إِحدى الحُجج، فدلتْ على أَنَّ استبقاءها في المِلْك محفوظة بغيرِ اليد ليس هو التعرض المُمْتَنِع. ولم يَأْمُرْهُ (١) مالك بإِرساله مِنْ يده أَيضاً، كما لو كان في بيته وقفصه.

(ومَنْ أَرْسَل صَيْداً) كائناً (في يَدِ مُحْرِمٍ) ففيه تفصيل: (إِنْ أَخَذَهُ) أَي صاده ذلك المُحْرم حال كونه (حَلَالاً ضَمِنَ) مُرْسِلُه عند أَبي حنيفة كالمُرسل من قفصه وهو القياس، ونَفَيا الضمانَ عنه كالصيدِ بعد الإِحرام وهو استحسانٌ، لأَنه محسن بأَمْرِه بالمعروف، {ومَا عَلَى المُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيل} (٢) وهذا نظيرُ اختلافِهم فيمن أَتلف


(١) في المطبوع: يؤمر، وما أثبتناه من المخطوط.
(٢) سورة التوبة، الآية: (٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>