للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولدت ظبية أُخْرِجَت من الحرم وماتا غُرِّمَهُمَا، وإِنْ أَدَّى جَزَاءَها ثُمَّ وَلَدَتْ لَمْ يُجِزه.

===

صيداً، فعليه الجزاء، لأن الإذن للمضطر بحلق الرأس مقيد بالكفارة، فكذا هذا. ولو اضطر المحرم إلى أكل الميتة (وَقَتْل الصيد، يأْكل الميتة ولا) (١) يقتل الصيد. ولو وجد المُحْرم المضطر صيداً ومالَ مسلم، يأْكل الصَّيْد، لأَن حُرْمَته لِحَقِّ اللهِ تعالى وَحْدَه.

(ولدت ظبية أُخْرِجَت من الحرم) ولم يُؤْدَّ جزاؤها (وماتا) أَي الظبية وَوَلَدُها في الحِلِّ، وكذا إِنْ لم يعلم عودهما إِلى الحرم (غُرَّمَهُمَا) المخرج، سواءٌ كان حَلالاً أَوْ حَرَاماً، لأَنَّ الصيدَ بعد الإِخراج مِنْ الحرم مستحقُّ الرَّدِّ إِلى مأْمنه، وهو الحرم، فسرى إِلى الولد كالرِّقِّ والحرية.

(وإِنْ أَدَّى جَزَاءَها) أَي أَعطى جزاء الظبية (ثُمَّ وَلَدَتْ) ثُم مات (لَمْ يجزه) أَي لم يُعْطَ جزاءَ ولدها، لأَنه صيد حَلَّ لانعدام أَثر الإِخراج في الظبية بالتكفير عنها، حتى لو أَنْشَأَ القتل لم يَضْمن، ولو باعها بعد ما أَخرجها من الحرَم جاز، لأَنها مملوكةٌ له، ووجوبُ الإِرسال لا يُنافي الملك كما لو أَخذها وأَدْخَلها الحرَم، إِلاَّ أَنَّه يُكْره، لأَن ابتداء الفِعْل وقع معصيةً، وكذا لو ذَبَحها يَحِل أَكْلُها لأَنها في الحِلِّ.

ويجوز صيد المدينة المشرَّفة عندنا، ونفاه مالك والشافعي. لهما قوله صلى الله عليه وسلم «إِنَّ إِبراهيم عليه السلام حَرَّم مكةَ، وأَنا أُحَرِّم ما بينَ لَابَتَيْهَا» يعني المدينة، وقال: «مَنْ رأَيتُموه يصطادُ في المدينة فخذوا ثيابه». وحجتنا في ذلك ما رُوي في «الشمائل»: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَعطى بعضَ الصبيانِ في المدينة طائراً، فَطَارَ مِنْ يدهِ فجعل يَتَأَسَّف في ذلك، ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «يا أَبا عُمَير ما فعل النُّغَيْر ـ اسم طائر ـ». وقد بسطتُ الكلام على هذا المرام في «المِرْقاة شرح المشكاة».

ثُم علماؤنا والشافعيُّ فَضَّلوا مكةَ على المدينة، ومالك عَكَس القضيةَ لقوله صلى الله عليه وسلم «اللَّهُم بَارِك لنا في ثمرِنا، (وبارِك لنا في مَدِينَتِنا) (٢) ، وبارِك لنا في صاعِنَا، وبارِك لنا في مُدِّنا. اللهمّ إِنَّ إِبراهيم عَبْدُكَ، وخليلُك، ونَبِيُّك، وإِني عبدُك ونبيُّك، وإِنَّه دَعَاك لِمكَّةَ، وأَنَا أَدْعُوك للمدينَةِ بِمِثْلِ ما دَعَاك لمَكَّةَ، ومِثْلِهِ معه». رواه مسلم.

ولنا حديثُ عبد الله بن عَدِيِّ بن الحَمْرَاءِ قال: رأَيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على الحَزْوَرَةِ (٣) ، فقال: «والله إِنَّكِ لخَيْرُ أَرضِ اللهِ، وأَحبُّ أَرْضِ اللهِ إِلى اللَّهِ،


(١) سقط من المطبوع.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) الحَزْوَرَة: هو مَوْضِع بمَكَّةَ عند بابِ الحنَّاطين. النهاية: ١/ ٣٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>