للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي حِلٍّ لا، ويذبْحِهِ يَحِلُّ

===

حنيفة قوله تعالى: {فإِنْ أُحْصِرْتُم فَمَا اسْتَيْسَر مِنَ الهَدْي} وهو مطلقٌ في الزمان، ولأَنه دمُ كفارةٍ للتحلل قبل أَوَانِهِ كدم الإِحْصَار بالعُمرة، ولهذا لا يُباح التناول منه، ودمُ الكفَّارة لا يختص بالزَّمان.

(وفي حِلَ لَا) أَي ولو ذُبح دمُ الإِحصار في أَرض الحِلِّ لا يُجزاء، لقوله تعالى: {ولا تَحْلِقُوا رُؤوسَكم حتى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَه}، والمراد به الحرَم لقوله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلى البَيْتِ العَتِيقِ} (١) ، ولما قدّمنا عن ابن مسعود في الملدوغ: يَبْعَثُ بِهَدْي ويواعِدُ أَصْحَابَه موعِداً. وقال مالك والشافعي: محله حيث يَحِل ذبْحُه، وهو مكانٌ أُحْصِر فيه، لحديث ابن عمرَ: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرَج مُعتمِراً فحال كفَّار قريش بينه وبين البيت، فنَحَر هَدْيَه وحَلَقَ رأْسَه بالحديبية، وقَاضَاهم ـ أَي صالحهم ـ على أَنْ يعتمرَه العام القابل ولا يحملَ سِلاحاً ولا يقيمَ فيها إِلاَّ ما أَحَبُّوا، فاعتمرَ العام المقبل (فَدَخَلَها) كما كان صالحهم، فلمَّا أَقام بها ثلاثاً أَمَرُوه أَنْ يخرجَ، فخرَجَ. رواه البخاري في الشهادات.

وأُجِيبَ بأَنَّ الحديبية (نِصْفُها مِنْ الحرم) (٢) ونصفها من الحل، ومضارب (٣) رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كانت في الحل، ومُصَلاَّه في الحرم، وإِنما سبق ببعث الهدايا إِلى جانب الحرَمِ منها ونُحِرت في الحرم. وقد قال الوَاقِدي: الحديبيةُ طَرَفٌ للحَرَمِ على تسعةِ أَميال مِنْ البيتِ. وعن الزُّهْري أَنه صلى الله عليه وسلم نَحَرَ هَدْيَه بالحَرَم. والله سبحانه أَعلم.

(وبِذَبْحِهِ) أَي بِذبْح الذي به بَعَثَ المُحْصَر (يَحِلُّ) أَي يَحِلُّ له أَنْ يَحِلَّ من إِحرامه بِفِعْل أَدنى ما يَحْظُرُه الإِحرام، (إِذْ لا يخرج مِنَ الإِحرام) (٤) بمجردِ الذَّبْح، إِلاَّ أَنه لا حلْق عليه ولا تقصير، وإِنْ حلَق فحسنٌ، وهذا عند أَبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: عليه الحَلْق، وإِنْ لم يحلِق فلا شيءَ عليه، لأَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأَصحابه أُحْصِرُوا بالحديبيةِ فأَمَرَهم بعد بلوغِ الهدَايا مَحِلَّها أَنْ يحلِقوا وحلَق صلى الله عليه وسلم ولحديث (٥) المِسْوَر ومروان: أَنه صلى الله عليه وسلم قال لأَصْحَابِهِ: «قُوموا فانْحَرُوا ثُم احْلِقُوا … » إِلى أَنْ قال: فخرجَ فنحرَ


(١) سورة الحج، الآية: (٣٣).
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) المِضْرَب جمعه مَضَارِب: الفُسْطَاط العظيم. أي البيت العظيم المتَّخَذ من الشحر. انظر "تاج العروس" ٣/ ٢٤٧.
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (فتح الباري) ٥/ ٣٢٩ - ٣٣٣، كتاب الشروط (٥٤)، باب الشروط في الجهاد (١٥)، رقم (٢٧٣١، ٢٧٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>